|
هذه الشهادة مهمة وجديرة بالتوثيق، قبل ان اموت انا او محمد خضر بيجان بعد ان
رحل عنا عبدالله الصباغ.
كان قد أصطحبنا عضو محلية ديالى محمد خضر بيجان من بيت المرحوم الاستاذ عبد الله
الصباغ ، الى بيته في حي العمال خلف مقبرة خانقين انا وزوجتي الراحلة اتحاد، وكانت
الحرب العراقية الايرانية في بداياتها مستعرة تماما ، فقد أزيل من الوجود قصر شرين
المقابل لمدينة خانقين، وقد قصف الايرانيون خانقين بالطائرات والمدفعية، وكنت قد
درّست الرفيق محمد خضر بيجان الرياضيات لامتحان البكلوريا، والشهادة انه من ابطال
الانصار الاوائل، سنة 1974 والتي مختلف عليها، وكنت أذكره برفيقه الذي جرح في معركة
وطلب من محمد أن يقضي عليه بدل الاعداء، وكان يتألم كثيرا لهذه التجربة التي فرضتها
الظروف.
في تلك الايام قبل الانتقال الى خانقين كنت ابيت في بيت غاية في الكرم والامانة هو
بيت أبي ناظم متي القريب من المحطة، فقد ذكر لي المثقف المهم الراحل ناظم متي انه
استدعي عدة مرات في مديرية الامن هارون في ديالى وطلب منه هارون موقف الحزب من
اثيوبيا وارتريا وشرح ناظم موقف الحزب من هذه المعضلة، واعطاه مدير الامن 25 دينار
وهو اعلى عملة وقتها، وذكر لي وانا احمل هذه الامانة انه في يوم ما جاء مدير الامن
في سيارة كبيرة وفيها محمد خضر بيجان والراحلين عبدالله الصباغ ونجاح حمدوش وذهبوا
الى الصدور، يجب أن أذكر للامانة بعد 2003 حينما رجعت الى العراق تحاشاني المرحوم
الاستاذ عبدالله الصباغ، رغم احترامي الكبير له.
وكنت قد سمعت من اخيه عباس ايام بقائي في بيت الاستاذ عبد الله الصباغ انني لست
مطلوبا للامن رغم هروبي الى الكويت دون جواز سفر عراقي ورجوعي . وهنا يجب ان أذكر
حقيقة مهمة ، كان الاستاذ عبدالله يستقبل في بيته مساء ، اعضاء محلية ديالى في
المساء، كلّ عن انفرد، في الصالة يأتي الراحل البطل علي هادي، وفي غرفة الخطار نجاح
حمدوش، وفي غرفة اخرى محمد خضر بيجان.
كنت اراقب ذلك من الطابق العلوي. كان لمحمد خضر بيجان علاقات متعددة مع اعضاء حزب
البعث، ويعتبرها جسور للحوار. أنا اتحدث عن محمد خضر بيجان وهو على قيد الحياة.
في بيت الراحل عبدالله الصباغ مكثت اسبوعين تقريبا، قرأت الاقدام العارية التي تدور
عن ما فعله عبد الناصر بالشيوعيين المصريين، وخاصة في سجن الواحات وأبي زعبل من
تعذيب وقتله لشهدي عطية الشافعي ورفاقه. بعد ذهابي الى خانقين في بيت محمد خضر
بيجان.
كانت خانقين قد قصفت بشكل عنيف، لان الجيش العراقي سحق قصر شيرين فأستحالت الى ارض
محروقة فتبدد حلمي في الهروب من العراق الى ايران.
عندما دخلت خانقين كانت صامتة تماما ،الكهرباء تنقطع اغلب الوقت. وكان البشر
الباقون قابعين في بيوتهم، أخذني محمد خضر بيجان الشجاع الى بيته في حي العمال او
العامل خلف المقبرة وكان على خلاف مع زوجته السابقة، وكان بيته خاليا يقع ركنا، وفي
مقابل بيته كانت مدرسة ابتدائية قصفت لتوها واثار الدمار واضحة للعيان.
المشكلة الوحيدة في بيت محمد ان التواليت خارج البيت. وفي مساء يوم ما ذهبت الى
التواليت وبشكل تلقائي ضغطت على الزر فأضاء المصباح، وبسرعة فائقة أطفأت المصباح،
لكن بعد فوات الاوان، فلاحظ اعضاء الجيش الشعبي الاضاءة وجاؤا الى محمد وقالو له من
معك في البيت فإضطر محمدالقول بأن لديه ضيوف.
في هذه الاثناء تذكرت زوجتي ان خالها الحاكم فاروق حسن تحسين. كان بيت فاروق حسن
تحسين يبعد عن بيت محمد ثلاثة دور، ويأتي بالضبط خلف البيت الثالث.
ذكر لي محمد خضر عن الشهيد مامستا نوري الشيوعي الذي قتله البعثيون، وبيته مقابل
بيت الحاكم فاروق حسن تحسين، ولا اعتقد انه على قيد الحياة.
اقول ذكر لي محمد خضر ان فاروق حسن تحسين كان قيادي قديما في حزب البعث وخرج منهم
وطلب من محمد ان يكون عضوا في الحزب الشيوعي العراقي ولكن اللجنة المركزية تريثت
بذلك حفاظا على حياته ومنصبه المهم في القضاء.
في صباح اليوم التالي إستيقضنا وشاهدنا رجال الامن يحومون حول بيت محمد خضر بيجان،
وكان محمد قد خرج فجرا دون ان نشعر به.
ماذا نفعل ورجال الامن يحومون حول بيت محمد، فكنت اراقبهم فقلت لزوجتي اتحاد لندع
كل حاجياتنـا التي اشتريناهـــا من البصرة مع محمد ونذهب بطريقة طبيعية الى بيت
الشهيد ماموستا نوري الذي يبعد ثلاثة دور كما اسلفت، خرجنا وقلوبنا في اقدامنا بمهل
وذهبنا الى بيت الشهيد مامستا نوري الذين اغتالوه بدهسه بسيارة كما علمت.
طرقت زوجتي الدار وشرطة الامن تراقبنا من كثب. خرجت زوجة الشهيد وسألت ماذا تريدون
فقالت زوجتي أنا ابنة اخت فاروق حسن تحسين وهذا زوجي نقل حديثا الى خانقين كمدرس
للرياضيات في المدرسة القريبة في حي العامل او العمال لا اذكرها الان وهي تقع خلف
مقبرة خانقين.
إستقبلونا بحفاوة لا مثيل لها واتمنى الان ان اذهب اليهم واعتذر منهم واشكرهم.
دخلنا انا واتحاد وهم لا يعلمون ان رجال الامن يرصدونا، وجلسنا بحدود نصف ساعة
وامتدحوا الحاكم السابق فاروق حسن تحسين لنزاهته وجيرته الطيبة، بعدها دخلوا بيت
خالتهم الملاصق لبيتهم خلف بيت الشهيد مموستا نوري، كانت مصادفة غير محسوبة، ولكنها
كانت عصا النجاة، اي هناك بين البيتين بصلة القرابة باب داخلي في الحديقة، فبعد
الحديث طلبنا مشاهدة بيت خالها فاروق حسن تحسين، فدخلنا من باب الحديقة الخلفية الى
بيت الخالة، ومكثنا قليلا ثم إستأذنا بالخروج في الشارع الخلفي الملاصق للمقبرة بعد
توديع العائلتين دون ان يعرفوا ان رجال الامن يتجولون امام بيت الشهيد ماموستا
نوري. سلكنا طريق المقبرة الى سيارات بغداد وهربنا.
بعد ذلك بثلاث اسابيع رجعنا لأخذ اغراضنا ذهبت اتحاد للسلام لبيت ماموستا نوري
فقالوا لها في الباب ارجوك ادخلي انت اما زوجك فلا فقد بهذوانا بعد ذهابكم. ذهبنا
الى بيت محمد خضر بيجان وكنا سابقا نأخذ المفتاح من تحت القرميد في الحديقة ولكن
شاهدنا جميع زجاج الشبابيك مكسرة انتقاما لهروبنا، فأرادت اتحاد ان تدخل وتأخذ
حاجياتها فلم انصحها بذلك خوفا من كمين ورجعنا متألمين لما جرى لعائلة الشهيد
الرائع مامستا نوري ، ولم ألتقٍ بمحمد خضربيجان حد الساعة هذه
|
لطفاً إشترك في الصفحات التالية |