لا دولة ... ولا دولتين
بل إسرائيل الكبرى

 

 

يتواصل النقاش بين النخب الفلسطينية عن خيار الدولة الواحدة أو الدولتين، الخيار الأول، والذي هو في حقيقته مجرد رغبة وليس برنامجا نضاليا، هو دولة واحدة على جميع أراضي فلسطين التاريخية يعيش فيها الجميع عربا ويهودا ضمن حقوق وواجبات متساوية، أما الخيار الثاني فهو حل الدولة الفلسطينية المستقة على الأراضي المحتلة بعدوان 1967، والبعض يسمي هذا الحل "حل الدولتين" أو "دولتين لشعبين" بكل ما ينطوي عليه هذا الاسم من مخاطر حرمان الفلسطينيين المقيمين في الاراضي المحتلة عام 1948 من حقوقهم المدنية والسياسية، فما دام الحديث عن دولتين لشعبين، واحدة لليهود الإسرائيليين والثانية للفلسطينيين العرب، فما الذي يرجوه فلسطينيو ال 48، الذين بقوا في وطنهم وفرضت عليهم الجنسية الاسرائيلية، من حقوق في دولة ليست دولتهم ولا هي لهم؟

ولنتفق تسهيلا للنقاش أن حل الدولتين هو الحل الذي يفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس على جميع الأراضي المحتلة في عدوان 1967، وهذا الحل هو تجسيد لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ولا يتناقض بل يتكامل مع حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها خلال النكبة الكبرى العام 1948.

ترى كثير من الأطراف أن اسرائيل دمرت حل الدولتينن ولم تبق أية فرصة واقعية لقيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، من خلال زرع الأراضي الفلسطينية المحتلة بالمستوطنات التي زاد عددها عن 250 مستوطنة غير عشرات البؤر الاستيطانية غير الثابتة، ويسكن في هذه المستوطنات نحو 750 ألف مستوطن بينهم نصف مليون في مستوطنات الضفة وربع مليون في القدس الشرقية المحتلة عام 1967.

يميل بعض السياسيين والكتاب إلى الاعتقاد ان حل الدولتين (دولة بحدود العام 1967) هو حل انهزامي يمثل استسلاما كاملا للمشروع الصهيوني، وموافقة على احتلاله 77 في المائة من أراضي فلسطين التاريخية، وهم يتناسون أن المؤسسات الاسرائيلية الحاكمة قاومت هذا الحل بكل ما تملك من إمكانيات وخطط وبرامج وقهر، وأن هذا الحل لا يمكن لحد ان يقدمه للفلسطينيين على طبق من فضة ولا نظير تنازلات سياسية جوهرية، بل هو برنامج نضالي شاق يتطلب تعبئة كل طاقات الشعب وإمكانيات فصائله وقواه الاجتماعية وتجمعاته في الوطن والخارج، وعبر كل اشكال النضال المقاوم والجماهيري والسياسي والدبلوماسي والقانوني، محصلة هذا النضال الطويل هي التي يمكن ان تفضي إلى تعديل موازين القوى لصالح الشعب الفلسطيني، وبالتالي انتزاع الحق في قيام الدولة المستقلة كثمرة لهذا النضال وليس أعطية أو هبة من احد.

قيام دولة فلسطينية على حدود العام 1967 هي خطوة هائلة وملموسة ومسنودة بقرارات لا حصر لها من الشرعية الدولية، كما أنها تستند إلى واقع سكاني يعيشه الشعب الفلسطيني بملايينه الخمسة في الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة، (بخلاف نحو مليون وسبعمائة الف في الداخل المحتل عام 1948) ، وهي بذلك خطوة تضع الشعب الفلسطيني وكل الذين يعيشون على أرض فلسطين على عتبة الحل التاريخي المنشود المتمثل بدولة ديمقراطية علمانية واحدة يعيش فيها الجميع بحقوق وواجبات متساوية.

أما طرح خيار الدولة الواحدة الآن فهو خيار طوباوي حالم في أحسن الأحوال، وخيار هروبي في الواقع لأنه يعفي أصحابه من مهمة التصدي لمشكلات الحركة الوطنية وتعثر برنامج نضالها وانقسامها وازماتها الداخلية المحتدمة التي تسهل على الأعداء فعل ما يريدون.

قيادة المشروع الصهيوني ليست مع حل الدولتين ولا مع حل الدولة والواحدة، بل هي مع حل "إسرائيل الكبرى" القئم على ضم أكبر مساحات ممكنة من الأراضي الفلسطينية المحتلة، يضاف لها مساحة الجولان السوري المحتل ( إدارة دونالد ترامب أقرت بالسيادة السورية على الجولان، وإدارة بايدن حتى الآن تتلعثم في الموضوع) مع بعض المساحات المحتلة من الأراضي اللبنانية في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، أما الفلسطينيون فاقصى ما يمكن أن تقترحه عليهم قيادة المشروع الصهيوني هو حشرهم في اماكن سكناهم الحالية، في معازل او بانتوستانات، يحرمون فيها من اية حقوق سياسية او وطنية بما فيها السيادة على الأرض والموارد والأجواء والحدود والمعابر وحتى على المجال الكهرومغناطيسي.

في بدايات المشروع الصهيوني شاعت لدى المستوطنين قصيدة / أغنية لا زال بعضهم يرددها حتى الآن ( لنهر الأردن ضفتان... واحدة هي لنا ...والثانية ايضا لنا) الآن يترجمون هذه الأغنية في الحديث عن الأراضي المحتلة عام 1967 ويقولون "هذه ايضا لنا" ، وفي مواجهة أي طرح ل"التنازل عن اي جزء من أرض إسرائيل" يطرح المستوطنون بان لهم الحق في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة في الضفة الغربية التي يسمونها "يهودا والسامرة".