غيتار وذاكرة مثقوبة


 

سؤال:- ماذا على شخص نكرة أن يفعل كي تتذكر الأجيال القادمة إسمه؟
جواب:- عليه أن يقتل شخصا يتمنى أن يصل إلى كعب حذاءه … سواء بالرصاص أو باطلاق إشاعة … أو بتسريب تقرير أمني عنه إلى إحدى الجهات الأمنية ...  حينها كلما تذكر الناس ذلك الشخص .. يذكرون إسم القاتل معه.

- غيتار وذاكرة مثقوبة –

منذ إصابتي بالخبيث للمرة الثالثة... وأنا لا أستطيع النوم إذا لم يكن غيتاري بجانبي ...
استيقظت ليلة أمس على صوت غريب ...
صوت ذكرني بالرصاصة التي أطلقتها حركة أمل على صدري قبل ثلاثون عاما في بيروت ..

أشعلت النور .. تحسست جسدي لأتأكد أنني بخير ... تفحصت الغرفة للتأكد من أنني في بيتي .. ولم يعد باستطاعتي النوم ..
أخذت الغيتار من جانب السرير لأعانق أوتاره كي تهدأ نفسي قليلا .. لأفاجأ أن الجسر الذي يحمل الأوتار قد خلع من مكانه ..
هطلت دمعة يتيمة من عيني اليسرى ... وأحسست باليتم مجددا ..

حاولت الاتصال بالحاجة أم العز في غزة لأشكي لها يتمي الجديد .. لكن الاتصال كان غير متاح ...
لم أجد من يواسيني في موت غيتاري سوى صديقتي سما ... فاتصلت بها ورميت في حضنها حزني ..
قلت لصديقتي سما:
" بالرغم من وجود أربعة غيتارات غيره في المنزل .. إلا أن هذا الغيتار هو طفلي المدلل .. رافقني منذ أن كنت في الحادية عشرة من عمري ...
رافقني في أول حفلة أقمتها في مخيم إتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني ... وبعدها في كل الحفلات التي أقمتها قبل رحيلي النهائي عن بيروت ... إلى منفاي الطوعي ...
نشرنا تاريخنا سويا على سطوح المنازل الفقيرة ... وكنت كلما أفتقد إنسانيتي يرافقني في شن الحروب بقصف من الحب والموسيقا " ...

نظرت إلى غيتاري وسألته معاتبا .. لم الآن؟ !!!
لم تريد التخلي عن ذاكرتنا المثقوبة؟
أجابني:- " لقد فقدت الذاكرة ... لم أعد قادرا على تذكر شكل زهرة الدحنون ... لقد ألقوا دفتر رسوماتنا على أرض ملونة بدمائنا ... ولم أدرك سوى متأخرا أنهم باعوا دمنا ..
إرمني يا صديقي .. فقد أصبحت خارج الخدمة" ...

قلت لغيتاري:- أفهمك .. ولن أرميك ..بل سأضعك في غرفة مكتبي .. وأعتني بك كطفل رضيع ..
سأضيفك للقصيدة وردة ... رغم كل هذا السقوط والزيف المحيط بنا ..
ستبقى يا غيتاري ... الصديق والرفيق .. ولن أقول حتى الموت .. بل سأبقى وفيا لك .. إلى أن تعود البغايا عذارى ..

- ما قبل النهاية –

لم أخف يوما من الموت .. لكنني .. وبعد تجربة المرض .. أصبحت متمسكا بكل ذرة من الحياة ...
لم أساوم في يوم من الأيام على قناعة أو فكرة آمنت بها ... لكن فكرة العروبة والانتماء لها أصبحت أمرا يصيب بالاسهال ...
العروبة فكرة جاءت من عصر البلح .. فليبعها من أتى بها في أقرب سوق نخاسة ...

لم أعد أنتمي إلى هذا الشيء المسمى وطن عربي .. لا أريد الانتماء إلى وطن من أسف .. وندب .. وأناشيد ثورية .. تمجد الزعيم والقائد والملك ورجل الدين والحزب ... وتنسى الوطن ...
أعلن انتمائي للغجر .. حيث البلاد بلا حدود وتصاريح سفر ...
حيث الموسيقا والغناء تؤسس أوطانا بلا أشرار .. فالأشرار لا يعرفون الغناء ..