أدب الارتزاق
 

 

1- متغيرات كثيرة طـرأت عـلـى الأدب العراقي، وأحد هذه المتـغـيـرات هو طـغـيـان أدب الارتزاق، وهـو أدب منافق مراوغ غايته الاعـتـيـاش، أدب يقلب الحـقـائق ويطمس الوقائع، ويجمل البشاعة، وهذا النوع من الأدب يتركز في الشعر والشعر العمودي تخصيصاً ، فقد ظهر خلال السنوات الأخيرة مئات الشعراء من بين أولئك الفاشلين والعاطلين وأنصاف الموهوبين، يدبجـون قصائد مدحية مناسباتية تثير الغثيان والتقزز لشدة اسفافها وتفاهتها وسطحيتها, حتى أن مفردات الوطن والحرب والحصار حولوها الى بضاعة رائجة يتاجرون بها على حساب الكلمة الرصينة المسؤولة.

أما على صـعـيـد القـصـة فـقـد طلـق بعض القصاصين المهمين الواقع, وراحوا يكتبون نصوصاً تهويمية ذهنية تعتمد فذلكة الأسطورة والتاريخ والنصوص المفتوحة وارتضوا بالعزلة تحت ضغط الواقع, وثمة قصاصون فاشلون راحوا يتشاعرون، ما دام الشعر المجاني المنمق يدر عليهم حفنة دنانير.

2- هذا السؤال من اختصاص النقاد، لكن أين النقاد ؟ معظم أدباءنا ونقادنا ومفكرينا هاجروا الى المنافي بحـثـاً عن الخبز والحرية بعـد أن «دکهم» الجوع والبؤس والمرارة، وبعضهم راح يكتب من أجل حفنة دولارات ليـسـد رمـقـه في الغربة حيث «المال في الغربة وطن» حسب مقولة علي بن أبي طالب.

أكـيـد أن الأديب يكتب عن الواقع ويـلـتـقط مفرداتهُ من الواقع، والحرب والحصار هما واقع الإنسان العراقي المبتلى, في رأيي أن أهم قيمة إبداعية، هي أن يكتب الكاتب عن الإنسان وحريته وكرامته، في زمن لا تساوي فيه هذه الاشياء عقب سيجارة.

3- أجل أن الواقع العراقي زاخر بالموضوعات الغـرائـبـيـة الـعـجـائبـيـة حـد اللعنة، زاخـر بالمتناقضات وبالويلات وبالموت .. ترى كيف يتوصل الى أعماق المجتمع ويكتب برؤية إبداعية جديدة على حد تعبيركم وهو لا يجد قوت يومه؟ كيف يكتب الكاتب عن واقع مرير وهو غـيـر مستقر ذهنياً ومعنوياً وحياتيـا ومعيشيا، هو ضحية من ضحايا هذا الواقع المدمر لأنه ضميـر هذا المجتمع. الكاتب العراقي جندي باسل يقاتل على عدة جبهات وهو محاصر من كل الجهات، لكنه لن يستسلم ولن يهزم لأنه محصن، وسوف يكتب عن هذا الواقع حين يتـجـاوزه ويـشـعـر بالطمأنينة.

4- أية لغة مباشرة هذه التي نقول عنها يا أستاذ شاكر ؟ هذه لغة الحرب والموت والتحدي، لغـة جـيـل الحرب والحـصـار والمحنة، يا أخي أن الانسان حين يتـوغـل فـيـه الألم لا بد أن يصرخ، يصـرخ صرخة الحياة، هذا الجيل صاحب صراخ مدوٍ بامتياز، لقد كتب ببساطة عن سيرته المؤلمة دون تزويق، تجـاوز البـهـرجـة والايقـاعـيـات الرنانة والرومانسيات الساذجة وابتكر نصه الجـديد الذي يشبه حياته، أنه نص مغاير ناتج عن واقع مغاير, سمه قصيدة نثر، سمه نصا مفتوحا، أنه شكل راقٍ من أشكال الأدب يخصُ المبدع العراقي.

شخصياً ترسخت تجـربتي خلال سنوات الحرب والحصار وانتجت نصـوصـاً تحت ثقل وضغط هاتين «المهيمنتين»، ولولاهما لما أخذت كتاباتي هذا المسار الفنطازي. أعتقد بثقة تامة، إن مستقبل الأدب العراقي يرتبط بمستقبل الإنسان العراقي الذي يتشبث بالحياة رغم الدمار الذي يحيط به.

5- إن الادب العراقي الحقيقي بالرغم من كل شيء يرفل بالعافية، وفي الطريق نصوص إبداعيـة عراقيـة بـحـجم الكارثة وبحـجـم الإنسان الذي يتـصـدى للكارثة وأنت تعـرف جـيـدا أن المحن والازمات تفرز بالنتيجة ارهاصات ونتاجات إبداعية تستوعب الحالة وتؤطرها فنيا، فلكل فعل رد فعل حسب القانون الفيزيائي.

جوابا على أسئلة الدكتور شاكر نوري في استفتاء ثقافي مميز في جريدة القدس العربي الصادرة في لندن 21 / 4 / 2000
1- ماهي المتغيرات التي طرأت على الأدب العراقي في ظل الحصار؟
2- ما بين الحرب والحصار ماهي القيم الإبداعية التي أشرها النقاد؟
3- الواقع العراقي زاخر بالموضوعات, هل توصل الأديب الى أعماق المجتمع ليكتب برؤية جديدة؟
4- هل تمكن الأديب العراقي من تجديد اللغة المباشرة السائدة في الثمانينات؟
5- ماهي تجربتك الشخصية الإبداعية في ظل سنوات الحصار؟