الأرهاب صنيعة الديكتاتورية
من المسلم به أن الأنظمة الاستبدادية لا تحمل سوى شقاء شعوبها ولا تثمر أي تقدم.
وبالتالي تتم العودة دائما إلى نقطة الصفر حتى وإن قامت انتفاضات منددة بسياسة
حكامها و بتعلقهم بالحكم. زيادة على أن المستقى من حقائق الواقع يثبت أن الحاكم
الدكتاتوري له دائما نفس الآليات المعتمدة من أجل تركيع الشعب والتمادي في محاصرته
وقمعه رغم وضوح التجارب السابقة بأنها طريقة تخلق المزيد من التمرد والغضب
فالدكتاتور يقوم بالتوغل في مؤسسات الدولة وبالسيطرة على مفاصلها من أجل خدمة
مصالحه وفي الآن نفسه يقوم بزعزعة كل المصادر التي يمكن أن توقظ وعي شعبه أو أن
تزرع بوادر التمرد.
بداية يقع ضرب المنظومة التعليمية وإفراغها من كل قيمها ثم المحاصرة المستديمة
للإعلام وتطويعه من أجل خدمة الحزب الحاكم إضافة إلى تأصيل فكرة أن الحاكم في تأهب
دائم لحماية الوطن والمواطنين من الجماعات الإرهابية والتصدي لهم بالرغم من أن
تفشي ظاهرة الإرهاب داخل المجتمع المدني حتى وإن تمت السيطرة عليه هو إقرار بفشل
الحاكم ونظامه ولا يعد نجاحا مثلما تخال الأغلبية التي ترفع الشعارات الداعمة
والمساندة لقائدهم أو زعيمهم أو رئيسهم البطل دون دراية أنه السبب الأصلي في خلق
هذا الوباء باعتماد سياسة خلق الأعداء .
من ناحية أخرى لا يخفى على العديد أن لعبة الإرهاب الحقيقية تمتلك الدول الغربية
قانونها ونظامها بدءا بحيثيات تشكل القاعدة وانتهاج الفوضى المنظمة للسيطرة على
الشرق الأوسط لنستخلص وجود صنفان من الإرهاب الأول انتاج غربي خــارجي والثاني
محصلة سياسة السيطرة والتسلط و التهميش التي يعتمدها جل الحكام في العالم العربي
ويصب الاثنان في نفس البوتقة من أجل الاستمرارية والتسلط و التركيع.
لقد أصبح جليا أنه كلما تفاقمت الاضطرابات الداخلية وتواجد فراغ سياسي إلا وتموقعت
الجماعات التكفيرية والإرهابية مما يثير حفيظة الإرهاب الخارجي فهو كسمك القرش
يجذبه كل نزيف تشكو منه دولة ما.
كما أنه بالرجوع لاكتساح الإرهاب في العالم العربي نستنتج مدى المسؤولية الكبرى
للحاكم بنظامه القمعي وتحفيزه لجميع الوسائل التي من شأنها أن تخلق الأعداء.
فضلا عن ذلك فان المتطرفين والإرهابيين ليسوا صنيع الساعة والظهور الفجئي كما
يريدون إيهامنا وإلا بماذا نفسر تركيز الحكام على تهميش التعليم وتفشي العدد
المتزايد والمخيف من الأطفال الذين يطردون من المدارس في سن طيعة وحساسة للغاية
يسهل عن طريقها تجنيد عقليات متعصبة منغلقة ومتطرفة. أليس هؤلاء الأطفال مشروعا
مستديم لكل توجه عنيف؟
أكثر من ذلك ما نشاهده من تنظيم محكم لقمع كل الوسائل التي من شأنها أن تنتقد نظاما
ما وقمع كل وجه للاختلاف واعتماد طريقة تكميم الأفواه. هي كلها عوامل تساهم في
تصعيد التطرف حتى يفرز أوكارا إرهابية.
وحتى لو افترضنا أن النظام خالي الشوائب ولا يعد طرفا في خلق الإرهاب سواء كان
فكريا أو ماديا فبماذا نفسر القصور في رصد المعلومات التي تشكل خطورة على أمن
البلاد واستقرارها؟
الحقيقة أن كل نظام استبدادي لا يبالي بكل هذا ولا يهم الحاكم غير تجنيد أتباع
لاستمرار حكمه مع إهمال المشاكل الأساسية للدولة مما يزيد من تدهور الأوضاع ويعمق
الاختلال المجتمعي. أليس من المعلوم أنه كلما تفشى الفقر والجهل أمسى الدين ملاذا
للناس...
إن سياسة خلق الأعداء ميزة كل نظام متسلط وإن بدا معتدلا. فالأنظمة الديمقراطية لا
تخلق أعداء داخل أوطانها بل تسعى لنشر ثقافة الاختلاف والاعتراف بالآخر وتصنع من
المتألمين مبدعين، عكس ما يجري في العالم العربي بتحويل كل متألم إلى ناقم وتأطير
نقمته عبر فسح المجال لأزلام تعنى بالترويج للعنف والتعصب وتعمل في الضوء وبمباركة
من النظام للقضاء على ضحاياهم المستقبلية خدمة للنظام القمعي السائد وحشد مساندين
خانعين لتوسيع دائرة الثقة الوهمية في شخص الحاكم حتى تتحول كل ثغرات حكمه وفشل
افرزه نظامه إلى بطولات تمكن من تبرير طغيانه. وعلى ذلك فلا بد من المزيد من الوعي
أن كل نظام يطمح للبقاء بكرسي السيادة يستدعي استخدام هذه السياسات الهشة في جوهرها
والحذر من كل أثارها السلبية المستقبلية.
ولا يسعنا إلا استخلاص أنه طالما وجد في نظام المغالاة في التمجيد والتعظيم لشخص
الحاكم بصورة منمقة إضافة إلى تواجد معارضة صورية فإننا أمام نظام دكتاتوري تكون
الورقة الرابحة فيه تصنيع الإرهاب كلما أحس بالخطر في سحب بساط السلطة ويقع بالتالي
اللجوء إلى مشهد انتخابي كاريكاتوري لتمتين سلطته تحت غطاء الديمقراطية والتي ينتفي
فيها المظهر الأهم والأساسي ألا وهو التداول على السلطة.
➤