حمام الدار
احجية ابن الازرق
كما يقول مؤلف الرواية "سعود السنعوسي": "إن اختياره
لشخصية "عرزال بن أزرق"، بأن هذا الاسم لاينتمي إلى بيئة معينة، لأخرج من دائرة
المكان"، الذي كان يحاصره في رواياته السابقة.
إنها رواية لا تنتمي إلى دائرة الروايات الكلاسيكية، واشخاصها، والبيئة التي يعيشون
فيها. انها رواية خارج الزمان والمكان. يتنفس فيها الروائي ضمن احداث متشابكة،
معقدة، تتعلق ببعض مقولات الوجود والعدم، مثل "حمام الدار لا يغيب، وأفعى الدار لا
تخون"، مراقباً من غرفته المهلهلة للحمامات التي يراقبها من نافذته.
وبطل الرواية "عرزال بن أزرق" الكهل في الجزء الأول، والذي وُلد مقموعاً من السماء،
ومن البحر، ومن والده بشكل خاص. وعاش حياته خائفاً من كل شيء حوله، مراقباً الحمام
الذي سيعود الى دياره، والافعى التي لا تخون، وبصقة بصيرة اليومية، وأمه المريضة
طريحة الفراش. انها نوع من اللاادرية، والهوس بالمجهول، حول حياة الحمام وتحليقهم
في السماء الزرقاء التي تعني بالنسبة اليه الامل والحب والمفقود. ولذلك تم تسمية
الفصل الأول، وهو العهد القديم، ب "نص لقيط"، تمييزا عن الفصل الثاني، وهو رمز
الحداثة ب "نص نسيب"، والذي بطله "منوال بن عرزال" وهو نفسه عرزال انما يتمتع
بالحداثة والتطور.
حيث يكشف منوال عن أزماته النفسية الداخلية بما يتعلق بهجرة والده واخواته لأمه
التي كان يشاركها احزانها، وزوجته "منيرة"، التي تركته واخذت وليديهما، زينه ورحال،
والتي كانت تطارده بعبارتها " اركض يا جبان" حين كان مشتاقاً، ومتلهفا لأولاده،
وتموت "بصيرة" وتنبؤاتها حول عودة الحمام زينه ورحال، واولاد فيروز والتي كان
يراقبهم الى ان طاروا في السماء الزرقاء، وتوفيت "قطنة" العنزة الشاهقة البياض،
بالرشاش الخطأ، وطارت الحمامات جميعهم، ولم يعودوا، واصبح يمكن لحية الدار ان تخون
أصحاب الدار، والذي يسكن في الدار قد لا ينتمي الى الدار برحيل الاب والأولاد،
ورحيل الجميع، وبحيث يكتفي منوال بإنهاء الرواية بعبارة": "لن تتم، الدرج السفلي".
وهي العبارة التي تعبر عن العودة الى نقطة البداية وإعادة تكرير الاحداث كما هي.
والتفصيل الثاني الهام هو الرسوم التي زودت بهم "مشاعل الفيصل" الرواية وخاصة لوحة
الرواية، والتي تقدم عرزال، مقطوع الارجل، وبراسين متشابهين ربما يشير الثاني الى
اللاوعي الذي يتمتع به الكاتب، بلونه الرمادي المقيت، وامامه فنجان القهوة، والركوة
التي قد تنقلب، ومراقبين من الحمامة والتي راسها لن يختلف كثيرا عن راس عرزال. وهي
بهذه اللوحة مع اللوحات الداخلية تعبر عن جوهر الرواية. بالإضافة الى تسمية الرواية
بالاحجية بن الأزرق، وهي احجية بحاجة الى حل.
إن الرواية بالأسلوب غير المعتاد، تقدم موضوعاً عادياً، يتعلق بالفقدان، وجدلية
الفقدان والثبوت، بين الأفكار الثابتة حول عدم الرحيل، والأفكار المتطورة التي تشير
الى إمكانية الرحيل وعدم الرحيل. لكن الرواية لم ترتق لتطرح موضوعا على المستوى
الفلسفي، لأن ذلك يتطلب معلومات كثيرة، ولاتطرح بالشكل النفسي المعقد كما ظهر في
الرواية.
ان الرواية هاجس نفسي عند الروائي، أراد ان يقدمه للشباب المثقف الذي أصبح يتابعه
وخاصة بعد روايته الجميلة "ساق البامبو"، لكن هذا التقديم كان ينقصه الكثير من
البراعة، رغم استخدامها في الكثير من الصور الجميلة التي غطت صفحات الرواية. فهي
ليست رواية مقدمة للعموم، انما للمثقف والذي يستطيع لدى قراءتها استنتاج الحالة
الكهلة التي يعيشها الروائي.
----------------
حمام الدار-سعود السنعوسي- الدار العربية للعلوم ناشرون-بيروت- تشرين
الثاني-2017182 صفحة
➤