فن العوم


 

القصة


هشام موكادور
المغرب
للكاتب أيضا

 

فررنا من المدرسة نحو الوادي، كنا نلعب بالطين، ونرش الماء على بعضنا، ونلاحق الضفادع، نمسكها، نلوح بها عاليا ثم نرميها في النهر.. أو نخيف بهم الزميلتان "خديجة ونوال". ونحن كأبطال "هوميروس" ننفخ صدورنا، نبتسم بخبث تعبيرا عن الفارق الذي زرعه الآباء في رؤوسنا الصغيرة "الرجال لا يبكون، وحدهن النساء يفعلن ذلك".

قال حاتم: أخبرني أخي الأكبر، من يلعق بطن الضفدع سيتعلم السباحة؟

فتحنا فاهنا مستغربين، ثم استحسنا الفكرة، فالكل يريد تعلم السباحة، ولكن من يستطيع لعق بطن الضفادع.. وأمام دهشة البنات، أمسك رضوان الضفدع بكلتا يديه، وبعد تردد طويل وبتشجيع منا، قلبه ولعقه من بطنه وقذفه في النهر واستمر يبصق بشكل متكرر... "تفو.. تفو..".. أخبره حاتم بأنه لن يتعلم السباحة، لأن عليه بلع ما لعق وليس بصاقه.. لعنه رضوان.

= لعنك الله، لماذا لم تخبرني من البداية؟
= وأنت لم تسألني كيف.. (رد عليه حاتم)
= حسنا أعدها وانتهى الأمر (حفزت رضوان)
لكنه أجابني متهكما:
= فليفعلها حاتم أولا، يعلمنا كيف نلعق بطن الضفدع.
نظرنا كلنا الى حاتم، بحلق في عيوننا، تلعثمت الكلمات في لسانه، ثم أخبرنا
= لقد فعلتها، وأنا أعرف السباحة؟
تشجعت متقدما نحو حاشية النهر، مفتشها على ضفدع.
= أنا سأفعلها؟
استوقفني تحدي رضوان لحاتم.
= قلت تعرف السباحة؟
أجابه حاتم نافخا صدره.
= أجل
ثم أردف رضوان:
= حسنا نريد رؤيتك تسبح؟
تسمر في مكانه، جال ببصره، وجد رماح العيون تحدق به.
= ليس الآن؟
= بل الآن؟ قال رضوان.
= تلعق الضفدع، أو تسبح؟ قلت له
(إسبح، إسبح..)

علت أصواتنا، تحركنا نحوه نحاول تعريته من الثياب، كان يدافع عن نفسه، لاعنا بأعلى صوته، ثم أطلق ساقيه هاربا ولحقنا به، وبالقرب من صخرة تشرف على نهر أم الربيع -نطلق عليها ب"الحجرة الطويلة"- صعد فوقها، حاملا غصن شجرة، عندما أراد تلويح به لإخافة رضوان حتى لا يقترب منه، اختل توازنه، وسقط في النهر.. يداه تتخبطان في الماء، يصرخ مستغيثا بأمه.. الطفلتان يصرخان ويرفسان الأرض بأرجلهما الصغيرتين خائفتين. أما رضوان، فقد فر هاربا عن مكان الجريمة..

فتشت بالقرب من المكان عن شيء ينفع، وجدت قصبة قصيرة، مددتها لحاتم، لكنها لم تصله.. من بعيد ظهر "المسعودي" وهو شاب يقطن في الحي المجاور لحينا، استنجدت به لإنقاذ حاتم من الغرق، جاء مهرولا عندما اقترب منا قهقه عاليا، وببرودة سألني : ماذا تفعلون هنا؟ أتضاجعان الفتيات؟
أجبته مشيرا الى الغريق: حاتم.. حاتم..
التفت الى خديجة: ماذا تفعلين هنا .. سأقوله للحاج..
استعطفته: أرجوك.. أرجوك.. انقذه..
أجابني ضاحكا: هذا يمثل عليكم دور الغريق؟
نزع حداءه، وسرواله، ودلف داخل النهر، أمسكه من دراعه، ونهره غاضبا:
= قف على قدميك..
وقف حاتم، فإذا مستوى سطح الماء يتوقف عند صدره.
حكينا الى "المسعودي" قصة تعلم السباحة عن طريق لعق بطن الضفدع، ضحك حتى سال الدمع من عينيه ، وجعلها نكتة الموسم الصيفي، لم يترك مجمعا وإلا أخبره بالقصة.. قصتنا.

أترك مداخلة

Message

شكرا لمداخلتك،
سوف يتم نشرها أسفل مقال الكاتب