هل تحقق حلم كارل ماركس؟



رعد الحافظ
العراق

المقال

 
مجلة الكاتب :: ماجد ع. محمد

ان عواقب فشل السياسة الاقتصادية الشيوعية ظهرت مأساتها الكبيرة على أوجّها في حقل الزراعة، خاصة أن الزراعة كانت في أساس أغلب اقتصادات الدول الشيوعية والاشتراكية. فقيام النظام الشيوعي بمصادرة كافة الأراضي الزراعية، التي كانت أملاكًا خاصة قبل النظام الشيوعي، ووضع الدولة المركزية اليد عليها وإدارتها مركزيًا، لم ينتج عنه ازدهارًا كميًا ونوعيًا في حقل الزراعة، بل سبّب في إحداث الشحة في كميات الانتاج الزراعي والسلع الغذائية ، الى حد كبير، وتبعتها المجاعات أحيانا والمصاعب التي لم يسبق لها مثيل.

وهذا حدث ليس في الاتحاد السوفيتي السابق فقط، بل في الصين وكمبوديا وكوريا الشمالية وفي اثيوبيا وغيرها. ففي تسعينات القرن الماضي، وبسبب قلة الانتاج الزراعي فقلة الغذاء وسوء التغذية عانى عدد كبير جدًا من أطفال كوريا الشمالية من العجز والعوق.

وفي النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي قدّر عدد الوفيات بسبب الجوع الى حدود مليونين فرد. وبحسب الاحصائيات فنسبة وفاة الأطفال في كوريا الشمالية الشيوعية وصلت الى 88 بالألف مقارنة مع نسبتها في كوريا الجنوبية الرأسمالية التي لم تتعدى 8 بالألف، بينما معدل العمر بين الرجال لم يتجاوز 49 سنة في كوريا الشمالية يقابله 71 سنة في شقيقتها كوريا الجنوبية، وبالنسبة لمعدل الناتج المحلي الاجمالي الـ (جي بي دي) للفرد في كوريا الجنوبية الراسمالية كان 900 دولار يبنما كانت قيمته في كوريا الشمالية الشيوعية 13 دولار.

هذه أمثلة بسيطة لنتائج نقص أو انعدام أو محو الحريات في العمل الحر، إن كان في الزراعة أو الصناعة والملكية الخاصة، بسبب التأميم وإمساك الدولة الفاشل وغير الكفوء بمفاصل العمل والانتاج. مما أدى الى اعطاء صورة واضحة لفشل حلم ماركس في هدفه في تحقيق "الوفرة" في كلّ الاحتياجات وبناء مجتمع المساواة

لا يكمن الفشل الذريع فقط في عدم تحقيق حلم ماركس في تطبيق "المساواة" المزعومة وتأمين "الغزارة" والوفرة المزعومتين لسد كافة الاحتياجات في الاتحاد السوفيتي السابق والدول التي دارت في فلكه لكن كان الفشل الذريع في تحقيق هدف ماركس في الحرية. فتميزت التجربة السوفيتية بالافتقار الى تأمين "الحرية" التي كانت هي الأخرى الى جانب "المساواة" وتأمين "الوفرة" من الأهداف النهائية للمجتمع الشيوعي بحسب ماركس وأتباع نظريته فتأميم النظام الشيوعي لكلّ القطاعات الانتاجية، جعل من مواطني الدولة موظفين في الدولة أو لدى قيادة سلطة الحزب، معتمدين تمامًا على الحكومة. وبهذا حقّق النظام الشيوعي بنجاح إحكام سلطة لا حدود لها، سلطة مطلقة على كافة الأصعدة في المجتمع. في احتلالٍ كاملٍ للمقدرات بسلطة مطلقة على كلّ شيء وكلّ مواطن،

كيف يمكن الحديث من بعد عن حرية الشخص أو عن حرية شخصية؟

يعلمنا التاريخ، كما الحاضرأيضًا، ما هو من الأمور المسلم بها، بأن الحريات (الفردية) الشخصية كحقٍ من الحقوق الانسانية، يمكن انجازها، بتأمينها وحمايتها فقط حين يتم ضمان وحماية حقوق الملكية الشخصية، لأنه في هذه الحقوق يتشكل أحد العوائق الفعالة، إن لم يكن أحيانًا العائق الأكثر فعالية، الذي يمنع انتهاكات الدولة وتجاوزاتها، وبالخصوص انتهاكات وتجاوزات المسؤولين أو القياديين للدولة على حقوق وممتلكات المواطنين الشخصية، ويمنع الدولة الى حدٍ كبير بالتالي من الاستبداد والتسلط على مواطنيها، والدولة التي تعترف بحقوق تملّك الأفراد والمواطنين وتحترمها، كأبسط القوانين الطبيعية، تكون معترفة بذات الوقت بحدود سلطتها وحدود سلطة المسؤولين فيها وقياداتها العليا. ونظرًا الى كون المُلكية مفهوم قانوني ترى في تنفيذه وفي أحكامه وفي مخالفاته السلطة القضائية في محاكمها، وبالتالي تثبت الدولة وسلطاتها القيادية والتنفيذية بأنها ملزمة بالقوانين تماما حدث العكس في التجربة السوفيتية والتجربة الاشتراكية في القرن الماضي.

ماحدث في تجربة الحكم الشيوعي من إلغاء ومحو الملكية، أنتج قنبلة تنسف الأسس التي تقوم عليها الحياة الانسانية، حيث أنتج الغاء ومحو "الحرية" وعدم احترام شرعية وقانونية التملك، ففي عمليات تأميم كلّ المصادر الانتاجية في البلاد، الذي يعتبر بحسب العقيدة الماركسية وبحسب انجلز اجراءا ضروريا لهما، يتم من خلالها تحرير المواطن من امكانية استعباده من قبل المادة، ولئلا يصبح عبدًا لما يملك.

لكن العملية اياها حولتهم والحق يقال الى عبيد للنظام ولقادته وللحزب. وفي الحالة هذه، حالة الشحة والعوز الذي توطّن في الاتحاد السوفيتي، حوّلت المواطنين الى ماديين بالأكثر، والى حالمين بما تشتهيه طبيعة الانسان ولم يكن بامكانهم الجرأة على البوح به، والا سيكون مصيرهم الموت باتهامهم بشتى التهم ليس أقلها، تهمة انتماءهم بالانتماء الى أعداء الشيوعية ولم يكن الحال أفضل لدى شعوب الأطراف التي تبنت الشيوعية، أو الاشتراكية، ذات المنهج والشعار، يا عمال العمال اتحدوا فانهم اتحدوا وتساووا على أيدي النظام السوفيتي في الحرمان والعوز والخنوع وانعدام الحرية مُعكّرين حياة وراحة ماركس الأبدية وهو في قبره، الذي ربما أرسل من مكان اقامته بآلاف الشتائم لمن ظنوا بأنهم يحققون حلمه بالمساواة والحرية والوفرة، وربما بالعكس (من يدري؟) قد جعلوه يفرح مبتسمًا مع زواره وباقي رفاقه المجاورين له في مقبرته ومعلنًا نصر نظريته شاربًا معهم نخب النصر العالمي لنظريته، وليخسأ الخاسئون من امبريالية ورأسمالية وليبرالية وبرجوازية وضيعة

في المعركة، أو في تعبير أقلّ قسوة نقول في الصراع، ضد الراسمالية، التي رآها الشيوعيون منذ ماركس وانجلز، واتباعهما من لينين وستالين في المركز، وأطرافهما المتمثلة بالأحزاب الشيوعية في دول العالم الأخرى، معركة حتمية ومستمرة، والانتصار فيها أُعتبر محسومًا وأكيدًا بحسبهم، خاصة أزاء أو ضد الرأسمالية التي تتميز بعالميتها، ونفوذها وتغلغلها في العالم، من دون أن تكون (الراسمالية) موحدة على طريقة التوحيد (الاتحاد) الذي دعت اليه واتخذته الشيوعية هدفًا في توحيد أو اتحاد عمال العالم، المتمثل بشعار "يا عمال العالم اتحدوا" (من مواليد 1848). هدف توحيد عمال العالم ـ المثالي إن لم يكن مستحيلا فهو غير قابل للحياة. استحالة تحقيق هذا الاتحاد ـ المستحيل ـ إلا في الاحلام لأنه خيالي وبعيد عن الواقع الجمعي والمجتمعي والطبقي. فمهما كان انتماءك وشعورك قويًا الى الطبقة التي تنتمي اليها في حقل عملك بكونك عاملا ومهما كان شعورك الذي تحسّ به تجاه طبقتك (العمالية هنا مثلاً)، تبقى ولاءاتك الشخصية (كفرد) والقومية والاقليمية والاثنية وحتى الدينية والطائفية وغيرها أقوى بكثير جدًا من شعورك الذي تحسّ به تجاه طبقتك (العمالية هنا) لأنك جزء من مجتمع أكبر كثيرًا من الطبقة، وبالخصوص حين تعرُّض هوياتك الأكبر من طبقتك أو شعورك بتعرضها ـ الهويات الأكبر ـ للخطر الوجودي أو العدوان بأي شكلٍ من أشكاله. وهناك الكثير من الأمثلة على الصراع بين هويات الفرد إن كان من هذه الطبقة أو من الأخرى في أحداث وظروف مرّت، ومازالت تمرّ، في دول عديدة من دول العالم. ويضاف هذا الفشل في تحقيق الحلم الواهي الخيالي في شعار يا عمال العالم اتحدوا، فشلا آخر يضاف الى عناصر فشل التجربة الاشتراكية العالمية كما في التجربة الشيوعية السوفيتية، الذي يذهب عدد ليس بالقليل في اعتباره من عناصر فشل ليس للتجربة فحسب، بل للنظرية الشيوعية والاشتراكية