من هو المثقف؟
 

 

في كتابه المهم «التثقيف الذاتي» استشهد سلامة موسى بتعريف وضعه الرئيس الأمريكي الأسبق ويلسون (1856 1924) للمثقف، وقد يسأل سائل: ما علاقة رجل سياسة ورئيس للولايات المتحدة بالثقافة والمثقفين، ونحن شهود على رؤساء تعاقبوا على البيت الأبيض هم أبعد ما يكونون عن ذلك؛ بل إن بعضهم كان جاهلاً بكثير من المعطيات التي تتصل بعمله.

رداً على هذا السؤال يُنبِّهنا سلامة موسى في بداية مقاله «من هو الرجل المثقف؟» الذي حواه الكتاب المذكور إلى أن ويلسون كان في الأصل رجلاً مثقفاً، ومديراً لجامعة برنستون، قبل أن يصبح رئيساً لأمريكا في سني الحرب العالمية الأولى.

من موقع اهتمامه بالثقافة وضع الرجل أربعة شروط لما وصفه ب«الرجل المهذب»، الذي يرى سلامة موسى أنه وصف للرجل المثقف أساساً، والشروط الأربعة حسب ويلسون هي على التوالي: أن يعرف تاريخ العالم منذ بداية الكون فنشأة الحضارة إلى الآن، ثم أن يعرف تاريخ الأفكار السائدة التي يسير عصرنا على مبادئها، يلي ذلك أن يعرف علماً من العلوم (Science)، وأخيراً أن يعرف لغة ما.

وكي لا تنصرف الأنظار هنا إلى معرفة لغة أجنبية بالتحديد، فإن ويلسون أكد أن «خير اللغات التي يتعين على المثقف معرفتها هي لغته».

تناول سلامة موسى الشروط الأربعة، لا لكي يعتبرها وحدها كافية لوصف شخص ما بأنه مثقف؛ لأنه يرى أنها وحدها غير كافية. فهناك شروط أخرى لا بد من توفّرها، قبل أن يستدرك بالقول، إن ويلسون قد اختار الأهم قبل المهم. ومن الشروط التي يرى موسى أن ويلسون أغفلها، هي معرفة الفنون الجميلة، لكأنه «لا يبالي بالأدب والموسيقى والشعر والرسم والنحت»، مع أن الرقي النفسي والاستمتاع العاطفي اللذين توفرهما الفنون والآداب، ضرورة لتكوين ثقافة عالمة في المجتمعات المختلفة.

شروط ويلسون الأربعة على أهميتها، صيغت بقدر لا يخلو من العمومية، حيث إن كل واحد منها يحتاج إلى شرح وتفصيل، كي نقف على المراد منه. فالمعارف وحدها لا تصنع مثقفاً، إن لم يتوفر من يمتلك هذه المعارف على رؤية وموقف، فلا مكان لحياد المثقف أو تجرّده حين يتصل الأمر بمنظومة من القيم المنتصرة للعدالة والحرية، والتقدّم والمساواة بين البشر وصون الحقوق ونبذ العنف.