امنحني قليلا لأني جننت
 

 

بيت شعري أمازيغي يستحق التأمل:
"مقار ذاش سوذونخ..
إدّا لعقل سا قراب ،
وُشاثاخ شوي ذيس نحويض.
يعكس نمطا في الحب بين الحاجة إليه والحاجة للمال بسبب الفقر..
هل هو البغاء؟

من الزاوية المالية: بيع /شراء، نعم هو المحدد للبغاء، لكن سياق البيت الشعري لا يعني ذلك، لا يعني تلك العلاقة الصارمة في الدفع بين البائع والمشتري بل طرح الأمر على أساس شكوى بين القلب والعقل بين الحاجة للحب والحاجة إلى المال التي يحتمها التفكير العقلي فالسعر هنا غير محدد كقيمة بل هنا محدد كمساعدة في أسلوب استعطاف مبرر (أوشاثاخ شوي ذيس انحويض: اعطني قليلا لأني جننت)
الترجمة:
"رغم أني أقبلك
عقلي مع محفظتك
امنحني قليلا لأني جننت"

يفترض أن البداية لم تكن مبنية على المال وإلا، كما في البغاء سيحدد السعر من البداية، لكن كما يبدو من السياق لم يكن هناك أي تحديد بل كان أمرا مفاجئا، اثناء القبل حصل تفاعل من الاعماق مناقض للحظة (لحظة تبادل القبل) يمكن الافتراض أنه حضر التفارق الطبقي (حضر الجد)، ثمة شيء ما ليس على ما يرام في العلاقة : قد يكون هناك حب بين الفقير والغني، لكن بشيء ما يحل مشكلة اختلال الفارق الاجتماعي من خلال إحالات: "ليس من العدل ان يكون هناك حب وبيننا فوارق".

دعونا الآن من خرافة أن الحب لا يفرق في السن ولا في الفوارق الاجتماعية. العلاقة بالجسد عاطفيا قد تكون متساوية، لكن فيها خلل بسبب نقص ما وهنا جاء تعبير: "رغم أني اقبلك"، رغم ذلك عقله أو عقلها مع جيبه او جيبها والسبب في ذلك نوع من الجنون: إظهار حالة الجنون لتبرئة الطلب، أي انه ليس مقصودا إلا لأن هناك حالة مس جنوني ، جنون العقل، بسبب وجود شيء ما غير متناسب: انا بجسدي وانت بجسدك لكن مع إضافة أخرى لا يمكن لجنون العقل أن يغفل عنها. دائما هناك وجود لهذه الفوارق وغالبا ما تنفجر في خصام حقيقي بين زوجين متناقضين طبقيا، لا يجب أن ننسى الكلمة المألوفة عند زوج اطرافه متناقضة اجتماعيا:
"انا لي خليتك راجل"
"أنا لي اخليتك امرأة"
في كل الأحوال هذه الجملة متداولة وتعبر عن حقيقة هي: امراة صنعت رجلا او العكس بالعكس رجل صنع امرأة.

قد يبدو البيت الشعري الأمازيغي هذا نسوي، بمعنى أن قائله هو امرأة، لكن في الحقيقة ليس الأمر كذلك، هو شعر مأثور ينتمي إلى الشعر الشفهي والذاكرة الجمعية ويتداول في الأغاني الامازيغية، قد تكون امرأة هي من قالته او قد يكون رجل وبشكل عام ينتمي إلى مرحلة التحول الاجتماعي من نمط إنتاج رحالي لم تظهر فيه الملكية الخاصة إلى نمط الانتاج الرأسمالي الممخزن حيث ظهرت الملكية الخاصة حيث وجود المحفظة (محفظة النقود ) التي لها دلالة خاصة في شكل تعبيرها على أنها تميز خاص (تميز طبقي) لكن هنا لن نذهب بعيدا في رصد التحول الاجتماعي من نمط ماقبل الاستعمار الفرنسي أو الإسباني للمغرب وما بعده بل سنقول أن البيت الشعري ظهر في فترة ظهور المجتمع الرأسمالي الطبقي بشكل أثر حتى على المحتوى الوجداني: الحب الطبقي.

في الشعر الشفهي الغير مكتوب (بسبب اضطهاد الامازيغية بعد الاستقلال الشكلي بالمغرب) لا يمكن أن نميز قائل أو متج البيت الشعري لاسباب تتعلق بمنطق اللغة الأمازيغية:
"أفيخد اغرياس غوبريذ أور غوري لعماراث"
"وجدت نمرا في طريقي وليس لدي رصاصات"

من الناحية المنطقية يبدو شعرا ذكوريا، لكن هنا لم يذكر النمر بالتأنيث بالقول وجدت نمرة، المرأة في الأمازيغية لها هيبتها وتنعت في الشعر بذكوريتها: نعم يمكن قلب الآية: امراة وجدت في طريقها نمرا، لكن هنا لا يستقيم المعنى في مجتمع رحالي (البيت ينتمي إلى نمط الإنتاج الرحالي ما قبل ظهور الملكية الخاصة وما قبل ظهور الدولة الوطنية في شخص الدولة المركزية: الرجل هو الذي يخرج بعيدا عن مركز الخيم من خلال عملية الرعي او التسويق أو غير ذلك.

في هذا البيت الشعري المعروف وطنيا رغم انه ينتمي إلى الحقبة الرحالية تظهر فيه المراة أيضا بشكل ذكوري:
"إزم أبرباش الرعب أغا اوراعنس غوري"
(الأسد المزركش رعب نظره إلي)

ليس في الطبيعة أسد مزركش إنما يقصد المراة لانها تلبس ملابس مزركشة ولن ادخل هنا في سيميائيات عيون النساء التي لها حجم اكبر من حجم عيون الرجال (بشكل عام، نعم هناك استثناءات)، رعب نظرتها ناتج عن حجم العين، إنها بحجم عين أسد وهنا يمكن توظيف أمور اخرى كالخجل والافتتان وغير ذلك، امور هي نتيجة اخلاق بدوية. وعموما، في الغزل الأمازيغي يمكن مخاطبة الانثى بالمذكر.

علاوة على ذلك، حتى السوسيولوجيا يمكنها ان تشرح لنا ازدواجية الخطاب، وارتباطا بالبيت الشعري الذي اتناوله الآن، في سياق الحب الطبقي، يمكن للرجل الفقير ان يكون مجنونا بطلب "العتق" الطبقي: ان تخرجه المرأة الغنية من فقره وهنا تلك المقولة النسوية: "أنا لي درت منك راجل" (انا من خلق منك رجلا) وفي السياق التناقضي: انا من جعل منك امرأة دون ذكر الحيثيات الاجتماعية الاخرى.

شخصيا ذكرني البيت الشعري هذا بظاهرة التحرش الجنسي عند الثانويات: اغنياء يستعرضون عرباتهم "المودرنية" أمام طالبات.

وأيضا يذكرني بظاهرة: عندي "كاورية": التسول الجنسي من طرف الذكور لأجنبيات من بنات المهاجرين بالغرب او لسائحات جئن إلى المغرب لأجل المتعة الجنسية، وهي في الواقع اشكال بغاء أنثوي في ظاهرة الطالبات وذكوري في ظاهرة "الكاورية" (تعني السائحة أو الأجنبية من اوربا).

مع ذلك، لا ادعي أن وفقت في تفكيك هذا البيت الشعري ، اعرف ان الاكل الياباني لا يمكن لاحد أن يقلده لسبب أن فيه روح يابانية خاصة واعرف ان البيت الشعري الامازيغي هذا فيه شيء من روحي الامازيغية على الرغم ان البعض سيرى فيه رائحة عهر لا تتناسب مع ارثه الأخلاقي والوجداني