الأغنية التراثية ظبي اليمن
من الفنان أبوبكر سالم إلى أصيل أبوبكر

 

 

فنانونا والتراث

إن تراثنا الغنائي اليمني عريق وضارب بجذوره في أعماق التاريخ، متسم بالتنوع والثراء، ومرتبط بهواء اليمن وتضاريسها، وله خصوصيته ونكهته اليمنية الأصيلة، التي تميزه عن باقي فنون العالم، وله أعلامه ومشائخه الأوائل، كالفنان المطرب الشيخ علي أبوبكر باشراحيل 1951م، والمطرب صالح عبدالله العنتري 1965م، والمطرب إبراهيم الماس 1966م، والمطرب عوض عبدالله المسلمي 1909ـ 1975م، والمطرب فضل محمد اللحجي 1967م، والمطرب أحمد عُبيد قعطبي 1969، والمطرب قاسم الأخفش، وغيرهم من الرواد الأوائل الذين أوصلوا إلينا كل هذه الألحان التراثية بأصواتهم البديعة، وأدائهم المميز للتراث الغنائي اليمني، استطاع هؤلاء الأعلام أن يحافظوا على التراث الغنائي في ذلك الزمن بإمكانيتهم المتاحة، وظروف تلك المراحل التي عاشوها وظهروا فيها، وطبيعة الحياة والمخاطر التي تعرض لها هؤلاء الفنانون لا سيما في شمال الوطن، حيث كان الغناء محرما في فترة الحكم الإمامي، إلا أن هؤلاء المطربين الأوائل استقوا التراث من عمق المجتمع، وكانوا حريصين كل الحرص على حفظه ونقله بأمانة إلى الأجيال، وإننا في هذا الصدد نستشهد بقول الفنان الكبير محمد مرشد ناجي ـ رحمه الله ـ في كتابه (الغناء اليمني القديم ومشاهيره): “إن المطرب اليمني عبر هذه القرون أشبه ما يكون بالمحارب الحامل لراية الحرب في حومة الوغى إذا ما وافته المنية سلم الراية لمحارب آخر، وبهذا الأسلوب كان المطربون عبر هذه العصور يجاهدون في تسليم أمانة الموشح اليمني من جيل إلى جيل إلى أن وصلتنا روائع أنغامها وجمال صورها وأصالة يمنيتها“ .

من هنا ندرك ونستشف أهمية ودور أولئك الفنانين في الحفاظ على التراث الغنائي اليمني، وكذا تقديسهم وغيرتهم عليه، فهل يدرك فنان اليوم تلك الأهمية وتلك القداسة ؟

المتتبع لمعظم الإنتاج الفني على الساحة المحلية في الوقت الراهن سيدرك حجم الفراغ في الساحة، لا سيما بعد رحيل الكثير من الأسماء الفنية التي وصلتْ بهم الأغنية اليمنية إلى أوج مجدها وزخمها كالفنان، محمد مرشد ناجي، ومحمد سعد عبدالله، و أبوبكر سالم، وكرامة مرسال ،و علي بن علي الآنسي، و أحمد بن أحمد قاسم، وعلي عبدالله السمة ...

وسيدرك المتتبع أيضا كم يجهل معظم فناني اليوم ـ الشباب على وجه الخصوص ـ أهمية التراث ومكانته، وأعلامه ...

فنان اليوم يغني الأغنية ولا يعرف من كاتب كلماتها ومن ملحنها، إنه لمن المخجل حقا أن تسمع أحدهم في لقاء في إحدى الفضائيات العربية وفي برنامج فني مشهور، وهو فنان يمني شاب. يغني أغنية (ظبي اليمن)، وعند انتهائه من أداء الأغنية يسأله المذيع عن تاريخ هذه الأغنية، وشاعرها، فيجيبه هذا الفنان: عمر الأغنية خمسمائة وخمسين سنة، وشاعرها الدكتور عبدالكريم الإرياني، وملحنها الفنان أحمد فتحي.

كان الأحرى بهذا الفنان أن يبتلع لسانه، ولا يجازف بهذه الإجابة، ويوقع نفسه في كل هذه الأخطاء المتتالية عن أغنية واحدة، فالأغنية مشهورة وهي من كلمات الشاعر عبدالعزيز المقالح، وقد كتب الدكتور المقالح كلمــات هذه

الأغنية على وزن الأغنية (الحُمَيْنِية) الأصل، التي غناها الفنان إبراهيم محمد الماس، من كلمات الشاعر علي بن صالح العماري 1798م، والتي جاء في مطلعها:

يا ظبي صنعا بعسجد خدك المنقوشْ
ولين قدك وفضة كفك المرشوشْ
وسحر عينك وريش أرماشها المريوشْ
وصبح وجهك وداجي شعرك المحنوشْ

ترنم بهذه القصيدة الفنان إبراهيم محمد الماس قبل أكثر من سبعة عقود، ووصلت إلينا بصوته عبر الاسطوانات، وما يحسب للفنان الأستاذ أحمد فتحي هو تطوير اللحن مؤخرا والتوزيع الموسيقي، ووضع المقدمة الموسيقية لهذه الأغنية، واشتهرت الأغنية (ظبي اليمن) بصوت الفنان أبوبكر سالم بلفقيه رحمه الله.

وتوقفنا هنا عند كلام هذا الفنان المجانب للصواب، والذي لم يكلف نفسه القليل من الجهد والاطلاع، ما هو إلا من قبيل التنبيه لفنانينا الشباب على ضرورة الاطلاع والتثقيف الفني، والموسيقي، ومعرفة تراثنا الغنائي العريق الزاخر بالدرر الفنية.

إننا نؤمن كثيرا بقدرات الفنانين الشباب ومساحة أصواتهم، ولكن الصوت وحده لن يصنع منك فنانا مميزا، ولن تتميز ما لم تكن فنانا مثقفا، مستوعبا لأصول الغناء، وأقل القليل مستوعبا لما تغنيه من تراث بلدك، وليس مجرد تقليد أعمى لا يضيف شيئا، بل يشوه ويمسخ.

على فنانينا اليوم أن يستفيدوا كل الاستفادة من التجارب الفنية الغنية بالإبداع للفنانين السابقين، عليهم أن يحذوا حذوهم، وأن يدركوا أن للفن أصوله وليس مجرد البحث عن الأضواء والمادة، وعليهم أن يستقلوا بإبداعهم وإنتاجهم الخاص.

عليهم أن يدركوا أيضا أن معظم فناني الزمن الجميل، من نتذكر روائعهم الغنائية في كل مناسبة، فنانون ميزتهم ثقافتهم واهتماماتهم بالأدب والفن والموسيقى والتاريخ، فهذا الفنان محمد مرشد ناجي الذي غنى التراث الصنعاني وأبدع في أدائه، وأخلص في ذلك مطورا ومجددا، هو أيضا صاحب الكتب القيمة: (أغانينا الشعبية)، و (الغناء اليمني القديم ومشاهيره) و (صفحات من الذاكرة) و (أغنيات وحكايات)، وهذا الفنان الكبير أبوبكر سالم بالفقيه شاعر قبل الطرب، وأديب مفوه، قدم الأغنية اليمنية إلى العالم العربي باقتدار، وهذا الفان محمد سعد عبدالله صاحب ديوان (لهيب الشوق)، وصاحب الروائع الغنائية الشهيرة، وغيرهم الكثير من النماذج الفنية في الزمن الجميل من كبر إبداعهم، وتعددت اهتماماتهم، وما زالت أغانيهم تنعش أرواحنا وترمم جدران حياتنا اليومية بالحب والصفاء.

بقلم محمد اليوسفي
6 يناير 2020



تعرف على السيرة الذاتية للفنان الراحل أبوبكر سالم بلفقيه

ولد أبوبكر بن سالم بن زين بن حسن بلفقيه في 17 مارس 1939 بمدينة تريم التاريخية في حضرموت.

وتوفي يوم أمس الأحد في 10 ديسمبر 2017 ،نشأ في أسرة عريقه عرفت بالنجابة والذكاء واشتهرت بالعلم والأدب إذ ان غالبية افرادها شعراء ان لم يكونوا يحملوا العلم والشعر في أن معا.

تربى في رعاية جده زين بن حسن وعمه حبشي ووالدته الصالحه بنت السيد عمر بن حسين الكاف وعدد من أعمامه؛ إذ توفي أبوه في عنفوان شبابه مصابا بالاستسقاء وابنه أبوبكر لم يكمل عامه الأول ولم تتزوج والدته بعد أبوه وبقى أبوبكر وحيدا دون اخوه في بيت جده الكبير برفقة والدته.

ودرس بمدرسة الاخوة في تريم وهي المجاورة لمنزلهم وتعلم على يد عدد من أقاربه القرآن الكريم ومبادئ العلوم، ثم التحق بمدرسة (الإخوة) في مدينة تريم، ثم عمل مدرسًا لمادة اللغة العربية في مدينة تريم، ثم في مدينة عدن، ثم اتجه نحو الغناء والطرب، ومارس إلى جانب ذلك عددًا من الأعمال التجارية.

تميز بجمال صوته في فترة مبكرة من عمره، فكان يؤذن ويردد تكبيرات العيدين في بعض مساجد مدينة تريم، وكان يشارك بعض أعمامه في إنشاد بعض الموشحات الدينية في عدد من الحفلات .

أبوبكر هو من اسرة (آل بلفقيه) المعروفة في حضرموت وهي اسرة متدينة ومثقفة اشتهرت بالعلم والتدين متفرعة من السادة باعلوي.

وقد سمي أبوبكر سالم تيمنا بجده العلامة أبوبكر بن شهاب أبرز علماء حضرموت.

عاش أبوبكر طفولته يتيما حيث توفي والده وهو ابن ثمانيه أشهر واحتضنه جده الشيخ زين بن حسن، تلقى أبوبكر تعليمة على يد أكبر علماء حضرموت واتم دراستة في علوم الفقه والدين وحفظ ثلثي من أجزاء القرآن الكريم وهو في سن الثالثة عشر وقد اظهر تفوقا ملحوظا في علوم اللغة العربية والشعر وظهرت مواهبه الفنية منذ صباه. اشتهر في صباه كمنشد للأناشيد والموشحات الدينية بالإضافة إلى أنه كان مُولعاً بالأدب والشعر إلى جانب حبه الكبير للغناء الذي ما رسه بشكل رسمي بعد الانشاد.

في فترة العشرينات من عمره عمل أبوبكر في حـقـل التعليم لمدة ثلاث سنوات فهو خريج معهد إعداد المعلمين وأظهر تفوقاً في الأدب والشعر وكان أحد المعلمين المتميزين في مادة النحو كما أن مواهبه الشعرية بدات منذ بلوغه السابعة عشر من عمره حينما كتب أول اغنيه له من كلماته وهي يا ورد محلا جمالك بين الورود ولديه ديوان شعري وقد سماه ديوان شاعر قبل الطرب تحتوي القصائد التي غناها والفنانين الآخرين أيضا.

غادر أبوبكر تريم في مقتبل شبابه استقر في مدينة عدن في عهد الخمسينات وهناك تعرف بالكثير من شعرائها وفنانيها وإعلاميين من امثال الشاعر لطفي جعفر أمان والفنان احمد بن احمد قاسم ومحمد سعد عبد الله ومحمد مرشد ناجي والشاعر والإعلامي فضل النقيب وغيرهم. وقدم أبوبكر نفسه على الصعيد الفني من خلال الحفلات الموسمية التي كانت تُقام في عدن، وحقق نجاحا باهرا ليفتح له الحظ أبوابه وتعرض حفلاته مسجلة ومباشرة في تلفزيون عدن، ثم الإذاعة التي بشرت بقدوم موهبة غير عادية.

المصدر اليمن العربي

كلمات ظبي اليمن

يا ليله دانه يا لدانه لدان
يا ليله دانه يا لدانه لدان
لما يغيب القمر والعقل به مربوش
تسأل عليه العيون لي فوقها منقوش
قال السحاب في اسى من امس ما شفتوش
شل النجوم واختفى وجه السما موحوش
لا افتش مغطى وانا اغطي على مفتوش
يا ليله دان

ظبي اليمن يا حلاه يا روح من يهواك
حاولت انساك لكن ما استطعت انساك
انساك كيف والحشا يا فاتني مرعاك
والقلب لك في الطريق هل تبصره مفروش
لفتيش مغطى وانا اغطي على مفتوش

تعجبني الكبرياء والدل في المحبوب
والشيطنه في البراء والوعد والمعتوه
والأبتذال في الجمال ما يجعله مرغوب
والعين لولا الرموش جمالها مخدوش
لفتيش مغطى وانا اغطي على مفتوش

يا ظبي صنعاء دموع العين قد قالت لنا
يا ظبي صنعاء ليت الليالي لا تفرق شملنا
ليت الليالي
والعقل يا فاتني في حبكم مربوش
لفتيش مغطى وانا اغطي على مفتوش
يا ليله دان