القصة



عندما ذرف الحسن الثاني شهقته الحربائية في خطاب
اكتوبر 1990، داعيا صدام حسين بنعته "صديقي فخامة الرئيس صدام حسين.." بعدم ربط
مسألة الكويت كمحافظة تابعة للعراق بقضية فلسطين. وعليه محبة الخروج منها، لتجنيب
المنطقة حربا دولية بعد أن تجهزت لها الدول الكبرى، مبررا ذلك بكون المتضرر الأول
والأخير، خيرات شرق الأوسط، والبنية التحتية وأهم شيء دمار الانسان العربي. كان
بعدها بشهرين يعد عدته الإجرامية لتدمير المواطن المغربي في كل من قنيطرة وتوجطات
وفاس وبني مكادة بطنجة، خرج الجنود من ثكناتهم العسكرية، حاصروا المتظاهرين الذين
خرجوا ببيان احتجاجي لكونفدرالية الديمقراطية للشغل – عندما كانت تحمل اسمها فعلا-
وأطلقوا عليهم الرصاص الحي. زعق اعلامه الخسيس – كالعادة- مخبرا الشعب المغربي بأن
عدد الضحايا كان واحدا فقط، والذي مات نتيجة تدافع المتظاهرين، في حين –بعدها- كتبت
هيئة الانصاف والمصالحة في تقريرها بأن عدد الضحايا كان مئة وستة، أما المغاربة
الذين لم تكن لهم واجهة اعلامية، فيؤكدون بأن الوفيات فاق أكثر مما هو معلن. عندما
كان والدي يشتم الوجه الأسود لفرعون المغرب أنداك ومعه امريكا والعالم الغربي، كان
عقلي الصغير يتشبع بموجة من الرفض والممانعة، كل ما يرفضه والدي أرفضه، وكل ما
يعحبه أحبه.. كان بطلي صدام حسين، الحاكم العربي الذي وقف في وجه سطوة العالم "
الراجل"، كما يطلق عليه الوالد. أحيانا البطولات المشرفة التي يقترفها الآخرون،
تجعلنا نعجب بهم بالرغم من الاختلاف الأيديولوجي، وإلا كيف أعجب والدي الاسلامي
قلبا وقالبا، برئيس العراق وهو الذي كان يحمل مشروعا قوميا اشتراكيا ويختلف عنه
جوهريا، ولو كان الوالد عراقيا لزج به في المعتقل. غير أن بالرغم من الأحداث
الدولية التي لا أعرف عنها شيئا سوى ما أراه من امتعاض على ملامح وجه الوالد،
وحواراته مع اصدقائه.. كانت لي صلة غريبة مع شخصية بطولية – بالنسبة لي- ترفل بظلها
في كل المدينة، وتتحكم في أحلام المراهقين.. شخصية البزناز "فؤاد".
تقول الحكاية أن والده كان قاضيا وقد خرج "فؤاد" عن طوعه بعد أن تزوج بامرأة أخرى
على والدته. وامتهن بيع الحشيش، لم يكن يبيعه مباشرة بل كانت وظيفته إحضاره ومنحه
للمتعاونين معه الذين يبيعونه بالتقسيط. كان شابا فارع الطول، أبيض البشرة، يلبس
سروالا عسكريا، وينتعل حداء رياضيا، دائما يلهو بسكين "بونقشة" بين أصابعه. وله طبع
حاد شرير لحظة دخوله في حرب مع الآخرين، أو عندما يؤدب أحدا المتعاونين معه كلما
خرج عن طوعه.. ما زلت أتذكر كيف أمسك "المحفوظي" وانهال عليه بالضرب، ثم أحدث له
جرحا بسكينه على خده، كانت الاشاعة تقول بأن تأديبه جاء لكونه "واشيا للسلطة"
وآخرون يقولون نقيض ذلك، فقد استهلك الحشيش الذي كان يجب عليه بيعه.
في منطقة "بوفولوس" يوجد مسجد بالقرب من الخلاء، إن تجاوزته بقليل ستجد نفسك أمام
منطقة جبلية وعرة يصعب عليك تجاوزها.. لذلك فقد كان محببا إليه الجلوس بالقرب من
المسجد فوق جدع شجرة أو بجوار خياط محله جاء بمحاذاة المسجد. وهذا يضمن هروبه نحو
الفيافي إذا ما طورد من قبل السلطات. أعود.. عندما خرجت ظهرا من مسجد الحي، نادى
عليّ، اقتربت منه، ثم منحني عشرة دراهم لأحضر له مشروبا غازيا وأكد على نوعيته
"فانطا"، ذهبت أجري وأحضرت اليه المشروب، منحني ما تبقى من عشرة دراهم، ثم أمرني
بالجلوس بجانبه، سألني " تتقرا"، أجبته بالإيجاب. "واش تتقرا مزيان ولا كسول"،
أجبته يما يحب كل طفل قوله، وأخبرته بأنني أكتب الشعر، ضحك ضحكة قوية ثم ضرب على
كتف صاحبه "جطاوي" – الذي قتل فيما بعد في ليلة سكيرة بسبب امرأة- قال "قوليا شي
شعر على هذا". تمتمت ببعض الكلمات.. كان يمزج المشروب الغازي بماء أبيض "الماحيا"
في قارورة فارغة ويحاورني، لم أكن خائفا منه، أو متوجسا، بل كنت منتشيا، خصوصا
عندما يمر أطفال الحي ويرونني مع الأسطورة فؤاد. وقبل أن أودعه منحني الحماية " إذا
تعدا عليك شي واحد قولها ليا".. وماتت لعنة أخي مصطفى، خرجت من حمايته الصغيرة إلى
حماية أخرى أكبر منه. بل عندما التقيت به، كنت أحدثه عن فؤاد وما قاله لي وقلته له،
وطبعا بالغت، أضفت بعض التوابل القوية أكثر مما يجب. كان أخي غير مهتم، لم تظهر على
ملامحه علامات الدهشة، وربما كان في عمقه يغبطني مما أنا عليه.
زوال أحد بعد عودتي من السوق، دلفت من حي "آسكا" متجها نحو النهر، اعترضني بعض
الصبية واعتدوا علي بالصفع ثم تركوني. عندما اقتربت من صخرة "با حمان" وهي صخرة
عظيمة تطل على النهر ويمكننا علوها من متعة القفز عموديا نحو الماء. وجدت فؤاد
متحلقين حوله أصحابه، يدخنون ويكرعون نبيذا أحمر يطلق عليه "الفراكة"، رآني ودعاني
بإشارة من يده، اقتربت وجلست بجواره، كنت أبحلق فيما يقولون، وهم يتحدثون عن
بطولاتهم، أما هو فكان ينهر هذا ويضحك لذاك، ثم التفت الي فجأة " راه نشوفك تتكمي
هذا" مشيرا الى سيجارته " والله حتى نقط ليك راسك". بعد هنيهة أخبرته بأن صبيانا
ضربوني على خدي، ومن دون تتريث قال لأحد معاونيه "سير معاه"، وذهبنا معا، وجدنا نفس
الصبية يلعبون بالقرب من مؤسسة تعليمية، أمسك أحدهم من وجهه ، وأمرني مقهقها " ضرب
مو" ضربته على خده، ثم قال لي " ركلوا" ضربته بركلة طائشة " ماشي هاكذاك... هاكذا"
ضربه ضربة قوية على مؤخرته، سمعت بكاءه، استعطافه، وفر هاربا، وعدت الى البيت
منتصرا، مع أنني لم أغتسل بماء النهر.. فقط علق بأذني لفظ، كرروه أكثر من مرة معية
فؤاد "الحناش .. الحناش"..
تقول الحكاية أن والده كان قاضيا وقد خرج "فؤاد" عن طوعه بعد أن تزوج بامرأة أخرى على والدته. وامتهن بيع الحشيش، لم يكن يبيعه مباشرة بل كانت وظيفته إحضاره ومنحه للمتعاونين معه الذين يبيعونه بالتقسيط. كان شابا فارع الطول، أبيض البشرة، يلبس سروالا عسكريا، وينتعل حداء رياضيا، دائما يلهو بسكين "بونقشة" بين أصابعه. وله طبع حاد شرير لحظة دخوله في حرب مع الآخرين، أو عندما يؤدب أحدا المتعاونين معه كلما خرج عن طوعه.. ما زلت أتذكر كيف أمسك "المحفوظي" وانهال عليه بالضرب، ثم أحدث له جرحا بسكينه على خده، كانت الاشاعة تقول بأن تأديبه جاء لكونه "واشيا للسلطة" وآخرون يقولون نقيض ذلك، فقد استهلك الحشيش الذي كان يجب عليه بيعه.
في منطقة "بوفولوس" يوجد مسجد بالقرب من الخلاء، إن تجاوزته بقليل ستجد نفسك أمام منطقة جبلية وعرة يصعب عليك تجاوزها.. لذلك فقد كان محببا إليه الجلوس بالقرب من المسجد فوق جدع شجرة أو بجوار خياط محله جاء بمحاذاة المسجد. وهذا يضمن هروبه نحو الفيافي إذا ما طورد من قبل السلطات. أعود.. عندما خرجت ظهرا من مسجد الحي، نادى عليّ، اقتربت منه، ثم منحني عشرة دراهم لأحضر له مشروبا غازيا وأكد على نوعيته "فانطا"، ذهبت أجري وأحضرت اليه المشروب، منحني ما تبقى من عشرة دراهم، ثم أمرني بالجلوس بجانبه، سألني " تتقرا"، أجبته بالإيجاب. "واش تتقرا مزيان ولا كسول"، أجبته يما يحب كل طفل قوله، وأخبرته بأنني أكتب الشعر، ضحك ضحكة قوية ثم ضرب على كتف صاحبه "جطاوي" – الذي قتل فيما بعد في ليلة سكيرة بسبب امرأة- قال "قوليا شي شعر على هذا". تمتمت ببعض الكلمات.. كان يمزج المشروب الغازي بماء أبيض "الماحيا" في قارورة فارغة ويحاورني، لم أكن خائفا منه، أو متوجسا، بل كنت منتشيا، خصوصا عندما يمر أطفال الحي ويرونني مع الأسطورة فؤاد. وقبل أن أودعه منحني الحماية " إذا تعدا عليك شي واحد قولها ليا".. وماتت لعنة أخي مصطفى، خرجت من حمايته الصغيرة إلى حماية أخرى أكبر منه. بل عندما التقيت به، كنت أحدثه عن فؤاد وما قاله لي وقلته له، وطبعا بالغت، أضفت بعض التوابل القوية أكثر مما يجب. كان أخي غير مهتم، لم تظهر على ملامحه علامات الدهشة، وربما كان في عمقه يغبطني مما أنا عليه.
زوال أحد بعد عودتي من السوق، دلفت من حي "آسكا" متجها نحو النهر، اعترضني بعض الصبية واعتدوا علي بالصفع ثم تركوني. عندما اقتربت من صخرة "با حمان" وهي صخرة عظيمة تطل على النهر ويمكننا علوها من متعة القفز عموديا نحو الماء. وجدت فؤاد متحلقين حوله أصحابه، يدخنون ويكرعون نبيذا أحمر يطلق عليه "الفراكة"، رآني ودعاني بإشارة من يده، اقتربت وجلست بجواره، كنت أبحلق فيما يقولون، وهم يتحدثون عن بطولاتهم، أما هو فكان ينهر هذا ويضحك لذاك، ثم التفت الي فجأة " راه نشوفك تتكمي هذا" مشيرا الى سيجارته " والله حتى نقط ليك راسك". بعد هنيهة أخبرته بأن صبيانا ضربوني على خدي، ومن دون تتريث قال لأحد معاونيه "سير معاه"، وذهبنا معا، وجدنا نفس الصبية يلعبون بالقرب من مؤسسة تعليمية، أمسك أحدهم من وجهه ، وأمرني مقهقها " ضرب مو" ضربته على خده، ثم قال لي " ركلوا" ضربته بركلة طائشة " ماشي هاكذاك... هاكذا" ضربه ضربة قوية على مؤخرته، سمعت بكاءه، استعطافه، وفر هاربا، وعدت الى البيت منتصرا، مع أنني لم أغتسل بماء النهر.. فقط علق بأذني لفظ، كرروه أكثر من مرة معية فؤاد "الحناش .. الحناش"..
أترك مداخلة
شكرا لمداخلتك
سوف يتم نشرها أسفل مادة الكاتب
شكرا لمداخلتك
سوف يتم نشرها أسفل مادة الكاتب