المقال



لم يكن قد مضى على استماعي لبعض المحاضرات السمعبصرية لرجل الأعمال الماليزي
فيجاي اسواران أيام معدودة، وحيث كان قد علق بذهني من وقتها جملته المعبّرة: "كل
شيء نفعله الآن ملهم بـ: حلم" وذلك حتى صدمني الواقع الفانتازي في مكان إقامتي
باسطنبول، بصفعتين متتاليتين لم أتذوق مثلهما منذ أيام دورة الأغرار في خدمة العلم
عام 1991 بدمشق، وأدركتُ بعد الصفعات الليلية بأننا كثيراً ما نكون ضحايا رخيصة
لأحلام غيرنا، وليس بالضرورة أن نحظى بالأحلام المشرقة أو الملهمة كما يقول اسواران..
وبما أن أيّ عارض أو فاجعة راهنة بعد التمعن بها عادةً ما تحيلنا إلى حوادث مماثلة
حصلت معنا أو جرت مع غيرنا من الأقارب أو الأباعِد، لذا فبعد الصفعتين الغريبتين،
تذكرتُ على الفور ما تجرّعه من الألمِ يوماً بسبب حلم الغير، مجايلٌ لنا من أبناء
القرية يدعى "يسار حسن" من أخيه "فرزند"، وخلاصة قصة الحلم: هي أننا في إحدى صباحات
القرية تفاجأنا بـ"يسار" وقد بدا لنا جزء من رأسه نافراً، فاستفسرناه عن السبب
والفاعل، إن كان نتيجة مشاجرةٍ ما مع أحدهم؟ أم بسبب اصطدامه بباب المغارة؟ أم كانت
نتيجة وقوع شيءٍ ما عليه؟ فقال يسار وقتها: لا هذا، ولا هذه، ولا تلك؛ فقلنا إذن
مَن وما الذي فعل بك هذا؟ فقال إن حدثتكم عن الأمر ربما لا تصدقونه! فقلنا: لقد
أشغلت بالنا يا "يسار" فأرِحنا رعاكَ الله من هم التوقع والتخمين، فقال: حقيقةً كان
الحلم هو السبب المباشر لما حدث لي! فقلنا وكيف للحلم أن يترك أثراً واضحاً وملموساً
على الجسد ويتسبب بالرضوض الحقيقية للإنسان؟ فأجاب: صراحةً كنتُ البارحة غارقاً في
نومي، ولم أصحو إلا على وقعِ شيءٍ قوي جداً اصطدم برأسي، فنهضت لأعرف السبب وما
الذي حدث وجرى لي، إن كان ثمّة شيء ما سقط من فوق الخزانة عليّ؟ أم أن دابة ما من
داباتنا خرجت من الحظيرة الملاصقة للبيت ودخلت المنزل وداست عليّ؟ فالتفتتُ حولي
وأمعنتُ النظر منتقلاً بنواظري كلقطة بانورامية على كل الموجودات في الغرفة، فرأيت
كل أهلي نياما، وتهيأ لي أنه لم يشعر أي واحدٍ منهم بالذي اصطدم بهامتي، فصفنت بعض
الشيء وأنا أتحسس رأسي الذي انتفض منه شيء أشبه بالفطر الذي كنا نلتقطه من الأحراش
المحيطة بالقرية، ولأني لم أعرف من أين جاءتني الضربة، فاكتفيتُ بالانشغال بوجعي
حيناً ومن ثم وضعتُ رأسي ونمت، قائلاً بيني وبين نفسي: غداً انشاء الله سأتحرى عن
الموضوع، وفعلاً في الصباح بدأت كالمحقق أسأل أهلي فرداً فردا عن الحادثة، وحيث أن
والدي وأخي الصغير واختاي ووالدتي كلهم استغربوا من الأمر وعبّروا عن تعاطفهم
الكبير معي، وأظهروا اهتمامهم الجم بي، باسثناء أخي الكبير "فرزند" الذي رأيته يضحك
خفيةً وكأنه على علمٍ بما ألمّ بي، فسألته وكلي شكٌ به: بربك وضميرك أليس لك علاقة
مباشرة بالذي جرى لي ليلة أمس، فأقر ضاحكاً مع تأكيده بأنه كان مثلي غارقاً في نومه
ولم يكن واعياً لما قام به، ولكنه أقر بأن السبب الرئيسي هو إنشغاله ليل نهار بكرة
القدم، موضحاً أنه البارحة ليلاً حلم بأنه في قلب ملعبٍ لكرة القدم، وبما أن أشواط
قدمه قوية وتصل ضرباته إلى أبعد نقطة في الملعب، فطالبه حينئذٍ الحارس بأن يقوم هو
تحديداً من بين كل لاعبي الفريق برفع الكرة أي بضربها، وفعلاً تهيأت لذلك وتراجعت
قليلاً وشطت الكرة بكل ما أوتيت من قوة في المنام، ولكني لم أكن أعلم قط بأني كنتُ
بجانبك في الفراش، وأنه لم يكن هناك ملعب أو كرة قدم، إنما تهيأ لي ذلك، لذا ضربتُ
رأسك في حلمي بكل ما أملك من القوة، علّني أوصل الكرة إلى مرمى الخصم، ولم أكن أعلم
أن المنام المثير بالنسبة لي، كان حقيقة موجعة بالنسبة لك، ومن سوء الحظِ أن الهدف
في حلمي لم يكن غير رأسك!! وهنا هم بتقبيل رأس أخيه "يسار" وطالبهٌ بالمسامحة على
ما بدر منه من دون وعي.
ولأن للكثير من الأحلام تبعاتَ سلبية على الآخرين وربما على صاحب الحلم نفسه، لذا
فهذه الواقعة العرضية التي جرت معي في اسطنبول بتاريخ 22/9/2019 أعادتني إلى أيام
الطفولة، وحيث كانت الوالدة تعيد في بعض الأحيان بليالي القرية القصة نفسها عدة
مرات، ومنها قصة حفظتها من حينها عن راعي البقر الذي خاصمته زوجته نتيجة كشفهِ في
حضرتها مجرياتَ حلمٍ من أحلامه، وتشير حكاية الحلم إلى أن الراعي أراد أن يخبر
زوجته بما جرى معه في أحد أحلامه، فقال لها: رأيت في المنام بأني ألملم في نهاية
العامِ بَدَل أتعابي السنوية من القمح والشعير من أصحاب البقر والجواميس، وبعد أن
لملمته استأجرت قطعة أرض من أحد أبناء القرية وزرعته قمحا، ولحسن حظي كان المناخ
ملائماً والأمطار غزيرة تلك السنة، لذلك جاء الموسم وفيرا، فبعت محصول كل الموسم
وقتها وذهبت إلى المدينة واشتريت به قطعة أرض أمام بيت الوالي، ومن ثم بنيت عليها
قصر كبير وملأته بعد الأثاثِ بالخدم والحشم، وبعد ذلك رأيت بأن البيت كبيرٌ جداً
وأنا عائلتي صغيرة، ولكي يتناسب مقامي الجديد ووضعي الاجتماعي مع حال الطبقة
الراقية في ذلك المجتمع الذي صرتُ منه، فتحتم عليّ طلب يد ابنة الوالي للزواج بها
علّني أغدو واحداً منهم؛ وبينما هو منهمك بسرد حلمه لزوجته، إلا أن الزوجة لم تمهله
وفي أثناء سرده لمجريات الحلم فتدخلت لعدم تحملها صدمة ما ورد في سياق حلم زوجها،
ورمَت بكل قوتها الطفل الذي كان في حجرها إلى حضن زوجها، وقالت موبخةً وملؤها
الحسرة والحنق والأسف: أنت ناكر المعروف، وقليل الوجدان، ومنزوع الضمير، فأنا التي
تحملتُ كل هذه السنين العجاف معك، وأنا التي حرمت نفسي من أبسط الأشياءِ لكي لا
أحيجك للآخرين، بينما أنتَ وفي أوّل فرصةٍ لكَ لم تقدّر كل تلك التضحيات، بل ولمجرد
أن امتلكت المال وتحسّن وضعك الاقتصادي رحتَ وتزوجت عليّ بامرأة أخرى، فلم تفكر بي
ولا تذكرت زوجتك ولو بشراء إيشاربٍ لها!!!
وبما أني كفرد لا أبغي الاصطفاف مع معشر الظُلاّم، كما لا أود أن أغدو الضحية
المجانية، لذا لم أُنهض شريكتي من نومها عقب الصفعتين تلك الليلة، ولا أتيت بحركةٍ
ما تزعج خاطر أحلامها، وتركت الموضوع لحين طلوع النهار، فسألتها صباح اليوم التالي
عن السبب الذي دفعها لضربي صفعتين متتاليتين، ومن ثم متابعة نومها وكأنها لم تقم
بأي عملٍ يستدعي الاعتذار والخجل، فسردت وقتها حلمها بعد أن عبّرت عن أسفها عما بدر
منها من دون درايتها قائلة: صدقاً كنتُ بالحلم ورأيتُ أثناءَهُ بأنك بعد الذهاب
لشراء خزانةٍ كنا من قبل قد تحدثنا عنها لكي تضع والدتك أغراضها الشخصية بها، ولكن
بحثك عن الخزانة ومواصفاتها وأماكن تواجدها بعد السؤال المكرر عنها، قادك إلى منزلٍ
ينوي صاحبه بيع خزانتهم، ولكنك بعد التعرف عليهم والحديث الطويل معهم تعرفت على
ابنتهم، ووقتها قررتَ شراء الخزانة مع وعد ابنتهم بإقامة العلاقة معها، وأنا لم
أتمالك نفسي من الغضب منك والحقد عليك نتيجة الخيانة التي اقترفتها بحقي، فقمت
مسرعةً وصفعتك صفعتين، ولكني لم أدرك بأن الصفعات كانت حقيقية وموجعة جداً كما
وصفتها لي!!!
ويبقى الغريب في أمر حلمها، هو أني لم أحكي لها ولا قصصتُ أمام قريناتها أو كشفتُ
لأحد أترابي في أيّ يوم من الأيام سواءً أكنت يقظاً أم في المنام، شيء عن مشروع
الزواج بثانية أو ثالثة أو رابعة، لأني إلى الآن أعتبر نفسي وقد أخفقتُ شر إخفاقٍ
في تلبية طلبات الزوجة الأولى فكيف سيكون حالي إذن إن أُصبتُ بالثانية أو
الثالثة؟؟؟
على كل حال فكما قد تتسبب الأحلام في الحياة الواقعية بخلق المواجع في بعض الأحيان،
وتعمل على إلحاق الضرر باليقظين أو الغارقين في المنام، وكما تقودنا الأحلام إلى
مضارب الغم وتنتقل الأحلام بأصحابها أو بضحاياها إلى أدوارٍ خطيرة وكوابيس حقيقية
تلازم بعضهم على أرض الواقع، ففي الأدب كذلك قد نجد ما يوازي ذلك أو يكون صورةً
عنه، وفي هذا الصدد نقرأ في سياق رواية "الأرمغان" للكاتب المصري، شريف لطفي، كيف
تحولت الأحلام الى هواجس تهدّد عروش الحكام، إذ يستفسر السلطان من كاتم أسراره
قائلاً: كيف للأحلام أن تقصيني من على عرشي؟ فيجيب نائبه بأن الحلم هو آخر ملاذٍ
لمن لا أمل له، حيث أن الأحلام تغذي الناس بالأمل الكاذب في التغيير، وبناءً عليه
يتطاولون على أولي الأمر، ويتجرأون عليهم آملين الإطاحة بهم لتنفيذ أوهام أحلامهم،
وهنا يا مولاي مكمن الخطورة؛ خطورة الأحلام وما ينتج عنها.

أترك مداخلة
شكرا لمداخلتك
سوف يتم نشرها أسفل مادة الكاتب

وبما أن أيّ عارض أو فاجعة راهنة بعد التمعن بها عادةً ما تحيلنا إلى حوادث مماثلة حصلت معنا أو جرت مع غيرنا من الأقارب أو الأباعِد، لذا فبعد الصفعتين الغريبتين، تذكرتُ على الفور ما تجرّعه من الألمِ يوماً بسبب حلم الغير، مجايلٌ لنا من أبناء القرية يدعى "يسار حسن" من أخيه "فرزند"، وخلاصة قصة الحلم: هي أننا في إحدى صباحات القرية تفاجأنا بـ"يسار" وقد بدا لنا جزء من رأسه نافراً، فاستفسرناه عن السبب والفاعل، إن كان نتيجة مشاجرةٍ ما مع أحدهم؟ أم بسبب اصطدامه بباب المغارة؟ أم كانت نتيجة وقوع شيءٍ ما عليه؟ فقال يسار وقتها: لا هذا، ولا هذه، ولا تلك؛ فقلنا إذن مَن وما الذي فعل بك هذا؟ فقال إن حدثتكم عن الأمر ربما لا تصدقونه! فقلنا: لقد أشغلت بالنا يا "يسار" فأرِحنا رعاكَ الله من هم التوقع والتخمين، فقال: حقيقةً كان الحلم هو السبب المباشر لما حدث لي! فقلنا وكيف للحلم أن يترك أثراً واضحاً وملموساً على الجسد ويتسبب بالرضوض الحقيقية للإنسان؟ فأجاب: صراحةً كنتُ البارحة غارقاً في نومي، ولم أصحو إلا على وقعِ شيءٍ قوي جداً اصطدم برأسي، فنهضت لأعرف السبب وما الذي حدث وجرى لي، إن كان ثمّة شيء ما سقط من فوق الخزانة عليّ؟ أم أن دابة ما من داباتنا خرجت من الحظيرة الملاصقة للبيت ودخلت المنزل وداست عليّ؟ فالتفتتُ حولي وأمعنتُ النظر منتقلاً بنواظري كلقطة بانورامية على كل الموجودات في الغرفة، فرأيت كل أهلي نياما، وتهيأ لي أنه لم يشعر أي واحدٍ منهم بالذي اصطدم بهامتي، فصفنت بعض الشيء وأنا أتحسس رأسي الذي انتفض منه شيء أشبه بالفطر الذي كنا نلتقطه من الأحراش المحيطة بالقرية، ولأني لم أعرف من أين جاءتني الضربة، فاكتفيتُ بالانشغال بوجعي حيناً ومن ثم وضعتُ رأسي ونمت، قائلاً بيني وبين نفسي: غداً انشاء الله سأتحرى عن الموضوع، وفعلاً في الصباح بدأت كالمحقق أسأل أهلي فرداً فردا عن الحادثة، وحيث أن والدي وأخي الصغير واختاي ووالدتي كلهم استغربوا من الأمر وعبّروا عن تعاطفهم الكبير معي، وأظهروا اهتمامهم الجم بي، باسثناء أخي الكبير "فرزند" الذي رأيته يضحك خفيةً وكأنه على علمٍ بما ألمّ بي، فسألته وكلي شكٌ به: بربك وضميرك أليس لك علاقة مباشرة بالذي جرى لي ليلة أمس، فأقر ضاحكاً مع تأكيده بأنه كان مثلي غارقاً في نومه ولم يكن واعياً لما قام به، ولكنه أقر بأن السبب الرئيسي هو إنشغاله ليل نهار بكرة القدم، موضحاً أنه البارحة ليلاً حلم بأنه في قلب ملعبٍ لكرة القدم، وبما أن أشواط قدمه قوية وتصل ضرباته إلى أبعد نقطة في الملعب، فطالبه حينئذٍ الحارس بأن يقوم هو تحديداً من بين كل لاعبي الفريق برفع الكرة أي بضربها، وفعلاً تهيأت لذلك وتراجعت قليلاً وشطت الكرة بكل ما أوتيت من قوة في المنام، ولكني لم أكن أعلم قط بأني كنتُ بجانبك في الفراش، وأنه لم يكن هناك ملعب أو كرة قدم، إنما تهيأ لي ذلك، لذا ضربتُ رأسك في حلمي بكل ما أملك من القوة، علّني أوصل الكرة إلى مرمى الخصم، ولم أكن أعلم أن المنام المثير بالنسبة لي، كان حقيقة موجعة بالنسبة لك، ومن سوء الحظِ أن الهدف في حلمي لم يكن غير رأسك!! وهنا هم بتقبيل رأس أخيه "يسار" وطالبهٌ بالمسامحة على ما بدر منه من دون وعي.
ولأن للكثير من الأحلام تبعاتَ سلبية على الآخرين وربما على صاحب الحلم نفسه، لذا فهذه الواقعة العرضية التي جرت معي في اسطنبول بتاريخ 22/9/2019 أعادتني إلى أيام الطفولة، وحيث كانت الوالدة تعيد في بعض الأحيان بليالي القرية القصة نفسها عدة مرات، ومنها قصة حفظتها من حينها عن راعي البقر الذي خاصمته زوجته نتيجة كشفهِ في حضرتها مجرياتَ حلمٍ من أحلامه، وتشير حكاية الحلم إلى أن الراعي أراد أن يخبر زوجته بما جرى معه في أحد أحلامه، فقال لها: رأيت في المنام بأني ألملم في نهاية العامِ بَدَل أتعابي السنوية من القمح والشعير من أصحاب البقر والجواميس، وبعد أن لملمته استأجرت قطعة أرض من أحد أبناء القرية وزرعته قمحا، ولحسن حظي كان المناخ ملائماً والأمطار غزيرة تلك السنة، لذلك جاء الموسم وفيرا، فبعت محصول كل الموسم وقتها وذهبت إلى المدينة واشتريت به قطعة أرض أمام بيت الوالي، ومن ثم بنيت عليها قصر كبير وملأته بعد الأثاثِ بالخدم والحشم، وبعد ذلك رأيت بأن البيت كبيرٌ جداً وأنا عائلتي صغيرة، ولكي يتناسب مقامي الجديد ووضعي الاجتماعي مع حال الطبقة الراقية في ذلك المجتمع الذي صرتُ منه، فتحتم عليّ طلب يد ابنة الوالي للزواج بها علّني أغدو واحداً منهم؛ وبينما هو منهمك بسرد حلمه لزوجته، إلا أن الزوجة لم تمهله وفي أثناء سرده لمجريات الحلم فتدخلت لعدم تحملها صدمة ما ورد في سياق حلم زوجها، ورمَت بكل قوتها الطفل الذي كان في حجرها إلى حضن زوجها، وقالت موبخةً وملؤها الحسرة والحنق والأسف: أنت ناكر المعروف، وقليل الوجدان، ومنزوع الضمير، فأنا التي تحملتُ كل هذه السنين العجاف معك، وأنا التي حرمت نفسي من أبسط الأشياءِ لكي لا أحيجك للآخرين، بينما أنتَ وفي أوّل فرصةٍ لكَ لم تقدّر كل تلك التضحيات، بل ولمجرد أن امتلكت المال وتحسّن وضعك الاقتصادي رحتَ وتزوجت عليّ بامرأة أخرى، فلم تفكر بي ولا تذكرت زوجتك ولو بشراء إيشاربٍ لها!!!
وبما أني كفرد لا أبغي الاصطفاف مع معشر الظُلاّم، كما لا أود أن أغدو الضحية المجانية، لذا لم أُنهض شريكتي من نومها عقب الصفعتين تلك الليلة، ولا أتيت بحركةٍ ما تزعج خاطر أحلامها، وتركت الموضوع لحين طلوع النهار، فسألتها صباح اليوم التالي عن السبب الذي دفعها لضربي صفعتين متتاليتين، ومن ثم متابعة نومها وكأنها لم تقم بأي عملٍ يستدعي الاعتذار والخجل، فسردت وقتها حلمها بعد أن عبّرت عن أسفها عما بدر منها من دون درايتها قائلة: صدقاً كنتُ بالحلم ورأيتُ أثناءَهُ بأنك بعد الذهاب لشراء خزانةٍ كنا من قبل قد تحدثنا عنها لكي تضع والدتك أغراضها الشخصية بها، ولكن بحثك عن الخزانة ومواصفاتها وأماكن تواجدها بعد السؤال المكرر عنها، قادك إلى منزلٍ ينوي صاحبه بيع خزانتهم، ولكنك بعد التعرف عليهم والحديث الطويل معهم تعرفت على ابنتهم، ووقتها قررتَ شراء الخزانة مع وعد ابنتهم بإقامة العلاقة معها، وأنا لم أتمالك نفسي من الغضب منك والحقد عليك نتيجة الخيانة التي اقترفتها بحقي، فقمت مسرعةً وصفعتك صفعتين، ولكني لم أدرك بأن الصفعات كانت حقيقية وموجعة جداً كما وصفتها لي!!!
ويبقى الغريب في أمر حلمها، هو أني لم أحكي لها ولا قصصتُ أمام قريناتها أو كشفتُ لأحد أترابي في أيّ يوم من الأيام سواءً أكنت يقظاً أم في المنام، شيء عن مشروع الزواج بثانية أو ثالثة أو رابعة، لأني إلى الآن أعتبر نفسي وقد أخفقتُ شر إخفاقٍ في تلبية طلبات الزوجة الأولى فكيف سيكون حالي إذن إن أُصبتُ بالثانية أو الثالثة؟؟؟
على كل حال فكما قد تتسبب الأحلام في الحياة الواقعية بخلق المواجع في بعض الأحيان، وتعمل على إلحاق الضرر باليقظين أو الغارقين في المنام، وكما تقودنا الأحلام إلى مضارب الغم وتنتقل الأحلام بأصحابها أو بضحاياها إلى أدوارٍ خطيرة وكوابيس حقيقية تلازم بعضهم على أرض الواقع، ففي الأدب كذلك قد نجد ما يوازي ذلك أو يكون صورةً عنه، وفي هذا الصدد نقرأ في سياق رواية "الأرمغان" للكاتب المصري، شريف لطفي، كيف تحولت الأحلام الى هواجس تهدّد عروش الحكام، إذ يستفسر السلطان من كاتم أسراره قائلاً: كيف للأحلام أن تقصيني من على عرشي؟ فيجيب نائبه بأن الحلم هو آخر ملاذٍ لمن لا أمل له، حيث أن الأحلام تغذي الناس بالأمل الكاذب في التغيير، وبناءً عليه يتطاولون على أولي الأمر، ويتجرأون عليهم آملين الإطاحة بهم لتنفيذ أوهام أحلامهم، وهنا يا مولاي مكمن الخطورة؛ خطورة الأحلام وما ينتج عنها.


شكرا لمداخلتك
سوف يتم نشرها أسفل مادة الكاتب