القصة




أن تكون أبا ملتزما، بل ونموذجا لمعارفك، ولك القدرة على الإجابة عن
الأسئلة الدينية العالقة بالأدهان المتوجسة من غضبة الخالق. فهذا يعني أنك ستعاني
مما يتفوه به لسانك حتى لا تُوقع الآخرين في الزلل، وكذا ستحتاج الى احتياط كبير
لعلك تحمي سمعتك، ولو كنت متفردا بذاتك لهان الأمر، ولكن أن تكون وصيا على أسرة
فهذا يتطلب منك الكثير، خصوصا وأنت تعلم بأن المجتمع لن يرحمك إذا ما ارتكب أحد
أبناءك هفوة.
أترك مداخلة
شكرا لمداخلتك، سوف يتم نشرها أسفل مقال الكاتب
ومن هنا بدأت الحكاية، وبدأت معها معاناتي بين رغبة ارضاء الأب الرجل البعيد عن
المنال، القليل الكلام، والذي يتصف بهالة التقدير تجعلني أنظر اليه، أسمع منه،
وأفعل ما يأمر. ولم أكن أتبرم، لا أحد يتبرم من قدوته. وعشرتي لأخواتي البنات
اللواتي كانت تجمعني بهن علاقة مكشوفة، فيها العتاب، والضحك، والخصام، والكثير من
التناغم. فماذا يفعل طفل ساذج إذا وضع بين كماشة الإخوة، وهالة الأب.. لو عاد بي
الزمن ماذا كنت سأفعل حينها؟ بأي منطق الذكاء كنت سأخرج نفسي من قبضتهم؟ كان الأب
عندما يرى منا ما لا يعجبه، فإنه يتحرك دون أي تبرير لسلوكه، أو توجيه التأنيب
المباشر، وإذا تكرر الفعل تظهر سلطته الاخلاقية الفعلية في توجيه أفراد الاسرة. فقد
يطفئ التلفاز على فلم به لقطة غير اخلاقية ونحن نشاهد، دون أن ننبس ببنت شفة. وقد
يمزق مجلة موديلات نسائية لأخواتي إن ظفر بها دون أن تحتج إحداهن، وقد يخفي رواية "عبير"
ولا مجال للبحث عنها. وهنا كسرت العرف، لم أكسره بالمعنى المباشر، ولكن بعد أن ألحت
علي أختي، تلاعبت بعقلي الصغير، أفهمتني بأن ما سأفعله لا خطورة فيه، وأن الوالد لن
ينتبه إن أخذت الرواية خفية منه. وتجرأت، دخلت الى مخدع والدي، فتشت عنها حتى
وجدتها، وهرولت نحو أختي مبتهجا " لقد وجدتها، لقد وجدتها" غير أن أرخميدس قد وجد
نظريته الفيزيائية، وأنا وجدت سوطا سينزل على جسدي الصغير. فطن الوالد للرواية
المفقودة، عندما سألني، وككل ساذج أخبرته بأنني أخذتها الى أختي.
- لماذا سرقتها؟
- لم أسرقها، طلبت مني أختي الرواية واحضرتها لها.
- لماذا دخلت الغرفة دون ادني؟
- كان الباب مفتوحا.
كان يسألني ويداه تفتش عن شيء خلف كتبه، وكنت أجيب بتلقائية كأن الأمر عادي، فجأة
أخرج خرطوم ماء قصير كان باللون الأخضر، أمسكني من دراعي، وبدأ ينهال على مؤخرتي
وفخذيّ. كنت أصرخ بأعلى صوتي، وأنادي على أمي. وأمي كعادتها لا تتدخل في شؤون
الوالد، أعرف أن صراخي يكزها في قلبها، وقلبها يتمزق من الداخل، لكن لا حول ولا قوة
لها في هذا الشأن. فلماذا كنت أناديها إذن؟ لا أعرف، ربما هي المنقذ الوحيد من غضبة
الوالد ومن كلماته المتكرر " باقي تعاود.. باقي تعاود" وعند نطقه تلك العبارة
المشؤومة، ينزل الخرطوم على جسدي، وأنا بدوري كنت أجيبه شاهقا بالبكاء " عفاك ابا
.. والله ما باقي نعاود". عندما انتهى مني، أمرني بإعادة الرواية اليه. وللمفارقة
المحيرة، لم يكلم أختي بشأنها، مع أنها هي محفزتي لارتكاب الجريمة، وقد أخبرته
بذلك.
عدت وطلبت منها الرواية، وأبت إعطاءها لي، أخبرتني بأنها قد أعادتها الى صاحبتها.
وجفاني النوم تلك الليلة، كانت مشكلتي أكبر من سقوط حائط برلين، أعظم من مصيبة تورط
رفاق اعبابو في الانقلاب على الحسن الثاني. عقلي يدور ويدور، يخمن في أمري وفي
العقوبة التي تنتظرني إذا لم أحضر للوالد الرواية اللعينة. صبيحة الغد، والصدفة
وجدتها بالقرب من وسادتها، ربما كانت تقرأها في الليل قبل نومها. أخدتها وهرولت نحو
الوالد ومنحتها اياه، ثم تنفست الصعداء. وجاءت كارثة أخرى لتحط رحالها على رأسي،
نادت على أختي "اجي نكَوليك" اخذتني من يدي وطلعنا سطح المنزل ثم سألتني:
- أين الرواية ؟
- أخدتها لوالدي
سحبت من قدمها خفها البلاستيكي، واتمت ما بدأه الوالد. كانت بدورها تكرر عبارة "
المسخوط هاديك راه ديال الناس ماشي ديالي". لكن هذه المرة تدخلت أمي، وأنقذتني من
براثنها، مؤدبة اياها "وعلاش أنتِ تدخلي هذاك المسخ لدار". وكبرت وبقيت تلك الحادثة
موشومة في الذاكرة، ما زلت أتخيلها بكل تفاصيلها. أشعر كأنني كنت بيدقا في حرب
باردة بين معسكرين. أو كرة تتلاعب بها أقدام الفريقين "أب وأخت".