دردشة قديمة

 
بسام قطيفان
سورية

واحات

في شرفة ذلك الفندق البحري، وفي مساء أيلولي حار سنة 2010 .. انعطف بنا الحديث عن أحوال بلداننا البائسة، و انسداد آفاق الغد فيها، انعطف إلى أن وصلنا إلى حال طغاتنا وجمهورياتنا التوريثية والأبديّة وكيف لنا أن نخرج من هذا الأتون...

تمنى صديقي لو أن كل الجمهوريات العربية تتحول إلى ممالك دستورية ، فتصبح الحياة السياسية والتشريعية والاقتصادية و و و و و... خاضعة للتداول والمبادلة و الصراع الحضاري بين قوى واحزاب وتلاوين المجتمع ..!!

قلت: لن يقبلوا، لأن ذلك محرج لهيبتهم، ولخطابهم الذي صدّعوا رؤوس أجيالنا به، والذي يتسترون خلفه، أن الجمهوريات هي حكم الشعب وهي مرحلة متقدمة على الممالك، والوصول إليها هو انتصار لارادة الجماهير وتجسيد لطموحاتها و و و و الخ هههههههه....
فاقترحَ بديلً لاقتراحه السابق، هو ان نطلب(مثلاً) من رئيس الجمهورية، البقاء رئيساً لكن على أن (يكُف مَغْيَبْ)، يعني أن يتوارى في شؤونه الخاصة، ولذائذ حياته الخاصة، وذلك مقابل مبلغ شهري كبير من المال تقتطعه( الدولة) له..

سألته :وكم تقترح أن يُعطى شهرياً؟
قال وكأنه ناقش المبلغ وقلَّبه بما يكفي، بل وزاد عليه ما أَمكن :
_ ياسيدي 10 ملايين دولار...
قلت :ههههههه لن يقبل..فتاجر واحد ممَّن يقدمون له الطاعة يكسب أكثر من هذا بكثير..
بدأ صديقي في حساب الأمر من جديد، آخذاً بعين الاعتبار الاستثمارات الدولية والثروات و و و ومصلحة الجماهير ومستقبل الأمة و مايصير الربح والخسارة، وبدأ يرفع الشهرية المقترحة للديكتاتور، مقابل أن يتوارى عن السيطرة على قرار الحكم والاستبداد به..
كان هو يزيد في الأرقام وانا أقول : لن يقبل..
الى ان وصل إلى نصف مليار دولار شهرياً..
فقلت أيضاً: لن يقبل..

استشاط صديقي غضباً واتهمني بالمبالغة، رغم انه دائما كان يأخذ علي أنني مغرق في الواقعية،والتي كان يقول عنها أنها (واقعية مقيتة) فأُكملُ ممازحاً: انا واقعي اشتراكي..
قلت بعد أن استمعت لاستنكاره : ياصديقي كيف سيبدل هذا الحاكم (الإله) تلك الألوهية ولو (بحفنة كبيرة) من المال؟؟

كيف سيتخلى عن السلطة والقدرة، و امتلاك كل شيء، أجل كل شيء، ويستطيع البت والحسم في كل شيء..داخل الحدود، و خارج الحدود في كثير من الأحيان..
كيف سيبتعد وقد جرب لذة ذلك الكرسي الذي يشع نوراً وناراً؛؟!

بلد قوامه ملايين البشر، يقدسه معظمهم أكثر من آلهتهم بفعل الخوف والسطوة وسيطرةالأجهزة..

اجل، الأجهزة التي هي مقابض الأنظمة الديكتاتورية على مفاصل ومنافذ ومنافس وشرايين هذه الدولة، هذه الأجهزة لو أردت بناءها لصالحك الخاص - بعيداً عن أموال الدولة- ، لاحتجت إلى ثروات الأرض وبنوكها..وهاهي (مجاناً) ملك يديه....؟؟
ثم بماذا ستغري (الإله) ، أن يزهد في الألوهية ويذهب ليسكن كإنسان عادي، حتى وإن كان في أبهى بقاع الأرض و يملك مالاً كثيراً لا ينضب..

المال لا يصنع ملوكاً واباطرة وطغاة، وإنما يشتري ودّهم..
لكن موقع الدكتاتور في تراتبية البشر والسلطة في أرض ما ، تخلق كل ما دونها، أجل، كلّ ما دونها. ..
لاشيء فوق ارادة هؤلاء إلا (احتمال إيمانهم) بوجود إله يملك الكون كله ويستطيع إيقاف كل (طموحاتهم ونزواتهم)..
....
وها نحن في قفزة الزمن نرى ان "الأسد" قد (استبسل) في الدفاع عن (عرشه) وجرّ البلاد إلى أكبر محرقة في التاريخ عنوانها (الأسد، أو نحرق البلد)
....
انتهى ما كنا نشربه على تلك الشرفة البحرية، وقد أختنق الهواء بحديثنا، فقمنا إلى النوم..
كان ذلك قبل أن يحرق ذلك الشاب نفسه في سيدي بوزيد التونسية بأربعة أشهر..   

[أترك تعليقا]



وصلنا النعليق على المقالة .. سوف تنشر بعد تدقيقها لغويا .. شكرا لك