شذرات فكرية في سورة النمل

 

 

القارئ المتدبر للنصوص الدينية لا بدَّ أنْ يتوقف عند أي فكرة تخرج من أطار الفهم المعتاد لتضعه أمام تساؤلات وإشكاليات في الفهم، منها مثلًا ما جاء في سورة النور في نص لم أجد تفسيرًا مقنعًا ولا فكرة دقيقيه حول جزئية صغيرة في هذا النص تجعلني مطمئنًا على أنني لن ولم أتخطاها دون أن أتبين حقيقة الإشكال الذي أثارته، النص المشكل هو الآيتان التاليتان (فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَنۢ بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنۡ حَوۡلَهَا وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ (8) يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّهُۥٓ أَنَا ٱللَّهُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ) (9)، ووجه الإشكال هنا في (أَنۢ بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ) فمن هو الذي في النار والنص يخبرنا كذلك بمن حولها وهو موسى ع؟ هل الأمر التبريكي مختص بمحدد حين فرقه الله بأداة التبعيض (من)؟ أم أنها إشارة لموجود معنوي لم يرد النص تبيانه أما لكونه معلوم بديهي أو لأنه من غيب الله؟... أسئلة تفتح على أسئلة والجواب غائب أكثره ظني واحتمالي لا يفيد اليقين ولا يغني عن بذل المجهود لمعرفته.

في كتب التفسير وشرح الفقهاء تجد ما لا يسر كلها تبنى على أجتهاد متدارك يعوزه النظام والإقناع فضلًا عن الترديد والأحتمال والظن، هذا الطبري مثلًا يقول في تفسير الإشكال (قال بورك من في النار ولم يقل بورك في من في النار على لغة من يقول باركك الله، ويقال باركه الله، وبارك له، وبارك عليه، وبارك فيه بمعنى "أي بورك على من في النار وهو موسى"، أو "على من في قرب النار" لا أنه كان في وسطها، هذا التفسير والتعليل مردود لأن الله خص موسى بكلمة من حولها ولا يوجد ما يشير إلى أنه دخلها والدليل في نفس النص (فَلَمَّا جَآءَهَا) أي لم يقُل دخلها والمجيء في لغة العرب لا يعني تمام الوصول، فتكرار التبريك مرتين لغو لا محل له ولا مما جاء في سياقات المنهج البنائي النصي في القرآن.

في تفسير آخر تغيّر في الماهية التي باركها الله فيقول السدي (كان في النار ملائكة فالتبريك عائد إلى موسى والملائكة، أي بورك فيك يا موسى وفي الملائكة الذين هم حولها، وهذه تحية من الله تعالى لموسى وتكرمة له، كما حيا إبراهيم على ألسنة الملائكة حين دخلوا عليه قال "رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت"، وهذا الرأي مردود لسبق التبرير هذا من كون موسى ع في داخل النار لعدم وجود تصريح ولا تلميح به، فهو رأى نارًا من بعيد وجاءها أي أقترب منها ليستفهم أو ليأخذ منها قبس كما جاء في النص بخصوص معنى الحرف في (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) يونس16.

وأيضًا ما جاء في الكثير من الاستخدام المتكرر للمعنى ذاته في نصوص القرآن ومنها وفيكم أي (بين ظهرانيكم) ولا تعني في دواخلكم فهو في محيط تأثيرهم وتأثرهم وفي داخل مجال حياتهم ومعرفتهم، وكذلك النار فإنَّ مِن آنِسَ دفئها وامتلأت عينه من نورها كان كمن هو فيها، ويقول العرب (فلان يقف في الشمس) أي تحت ضوئها وحرها يناله من خواصها تلك شيء منها قل أو كثر، ومثلها وقولهم (مشيت في المطر)، أو (ارتحلت في البرد) ونحو ذلك، قد يكون أقترب منها نعم أو يكون فعلًا قد حاول أن يقتبس شيًئا من النار فيكون بذلك فيها أي في دائرة وجودها، لكن من حولها لا يمكن أن يكونوا الملائكة لعدم وجود دليل فالمخاطب الله الذي كلمه وقربه وناجاه، فيكون تبريك الملائكة من قبل الله موضوعًا زائدًا عن اللزوم الطبيعي.

هناك تأويل ثالث وهو ما قاله ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير (قدس من في النار وهو الله سبحانه وتعالى، عنى به نفسه تقدس وتعالى، قال ابن عباس ومحمد بن كعب "النار نور الله عز وجل" نادى الله موسى وهو في النور، وتأويل هذا أنَّ موسى عليه السلام رأى نورًا عظيمًا فظنه نارًا وهذا لأنَّ الله تعالى ظهر لموسى بآياته وكلامه من النار لا أنه يتحيز في جهة وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله لا أنه يتحيز فيهما، ولكن يظهر في كل فعل فيعلم به وجود الفاعل، وقيل على هذا (أي بورك من في النار سلطانه وقدرته) وقيل (أي بورك ما في النار من أمر الله تعالى الذي جعله علامة)، بالرغم منَّ أن الكلام غير مترابط وخلط بين التقديس والتبريك وبين النور والنار والنص صريح بذكرها، وما بين ظن موسى وعدم قدرته على التفريق بين الأشياء، نجد التخبط واضح وبين ومردود على من ساقه.

لو تأملنا نصًا آخرًا لا علاقة له بالموضوع ولكنه يشترك في الإشارة فقط (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ) التوبة(101)، فالحول هو المشترك مع الإشارة سواء مكانًا أو زمانًا ولكنه لا يعني تحديدًا المجاورة، فالمجاورة في القرآن الكريم تتبعها صفة أو نعت يكمل تحديدها مثلًا جار الجنب والجار ذي القربى وهكذا، فإشارة ما حول تعني إمكانية التواصل بين نقطتين ما، فموسى قبل أْن يذهب للنار شاهدها فهي من حوله وهو من حولها قبل أنْ يجئ اليها، وبالتالي عندما وصل ونودي بالتبريك على من فيها أي من دائرة فعلها وتأثيرها، فهو المقصود الأول والثاني كان من حولها وهم من كان معهم موسى قبل مجيئه (أله)، ملخص الآية أنَّ الله نادى رسوله موسى ع مباركًا له ولأهله الذين هم من حول النار، لا ملائكة ولا هو اي الله في النار ولا قدرته مطلقًا.

الشذرة الثانية التي لفتت أنتباهي في ما قرأت من السورة هي قوله تعالى (وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُمۡ ظُلۡمٗا وَعُلُوّٗاۚ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ) 14، والجاحدون فئة من الناس وصفهم الله تفريقًا عن أوصاف أُخرى متقاربة في المعنى ويخلط الكثير بينهم، مثلًا الكفار والمنافقين والمشركين لا يجمعهم شيء مشترك إَّلَّا كونهم خاسرين ضالين عن طريق الحق، فالكافر هو الذي ينكر الضرورات العقلية وينفيها مثل وحدة الله وتوحيده وقدرته وقوته وإلى كل ما يمت لله بصلة، ويشترط لذلك الوصف تقدم البلاغ قبل الحكم بالكفر أي إلقاء الحجة والدليل أوَّلًا (ويشرط في أنْ تصله صورة أوَّلًا فكرة صحيحة وتامة عن الله، فإذا رفضها حينها تعمدًا واستكبارًا فهو كافر، ولذلك يربط القرآن في آيات كثيرة بين الحكم بالكفر وبلوغ الدعوة ومعرفة الحق والهدى فقد ورد في القرآن "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ ...".

أما المنافق فهو معروف بأنه لا مع هؤلاء بإيمان ولا مع أولئك بكفر فهو يماري ويداهن في الموقف دون التزام يقيني بما يؤمن به (مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا) النساء 143، النفاق حالة مهتزة تنبئ عن حيرة وشك واضطراب لنْ يُجدي نفعًا في نتائجه ويشكل صورة من صور الظلالة ما لم يتبين حقيقة ما يؤمن به ويعمل بها دونما شك ولا تردد.

أما المشركين فهم من يجعل مع الله إلهًا آخر أو يرى في ذلك سواء بالقول أو الفعل أراده عن نيه أو فعله بتوهم أو شبهة، وهم على العموم يملكون جزءًا من الإيمان وجزءًا من ضده، فلا هم كافرون قطعيًا وإنْ كانوا قد كفروا بجزئيات من ضرورات الإيمان والتسليم، لكن حكمهم بالنتيجة حكم الكافر كليًا، فالإيمان وحدة مترابطة لا تنفسخ بين الكلي والجزئي (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) البينة 6.

أما الجاحد والجاحدين فهم مؤمنون بما في الإيمان من ضرورة وإنْ كان إيمانهم لم يظهر للعلن عنادًا واستكبارًا وعزة في النفس وتكبر، النص يقول ذلك ويؤكد على العامل النفسي وتأثيره عليهم (وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسۡتَيۡقَنَتۡهَآ أَنفُسُهُم)، فهم عقليًا ونفسيًا مع التسليم وحججه عليهم ولكنهم أرادوا شيئًا مغايرًا يلاءم ما هم عليه من الغرور بالعظمة الذاتية التي عبر عنها النص (بالعلو) المنهي عنه جملة المؤمنين بقوله تعالى (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين) القصص 83، فكانت النتيجة أنهم ظلموا أنفسهم وكانوا من الخاسرين لأنهم أفسدوا وجودهم بهذا الميل النفسي الطاغي، ونتيجتهم كنتيجة الذين سبقوا من الكفار والمنافقين والمشركين ما لم يدركهم العلم بعاقبة الأمور (بَلِ ٱدَّٰرَكَ عِلۡمُهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ بَلۡ هُمۡ فِي شَكّٖ مِّنۡهَاۖ بَلۡ هُم مِّنۡهَا عَمُونَ) 66.

ومن الشذرات المهمة التي أحتوتها السورة هذه، التفريق بين ما ينسب للطير خصوصًا والحيوان عمومًا من أنَّ له لغة بمعنى ما للإنسان من نظام لغوي، النص ينكر ذلك ويقول تحديدًا بمفهوم المنطق، والمنطق هنا هو نظام التواصل بينها وليس منطقًا بمعنى ما ينطقون به من أحرف ومخارج صوتية بالتأكيد (وَوَرِثَ سُلَيۡمَٰنُ دَاوُۥدَۖ وَقَالَ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمۡنَا مَنطِقَ ٱلطَّيۡرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيۡءٍۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡمُبِينُ) 16، والدليل أنَّ النص على لسان سليمان عليه السلام في ذات النص (وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيۡءٍۖ) ولم يقل أوتينا كل اللغات أو كل العلوم بمعنى أنَّ منطق الطير من الأشياء أو من مجموعة الأشياء التي منحنها الله تعالى كفضل منه.

والنطق وإنْ كان يعني من مصاديقه أنه الكلام المنطوق المعبر عنه بالحروف الكتابية أو الصوتية، لكنه بالضرورة ليس كليًا بها ولا شاملًا مستغرقًا لمعنى الكلام (قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) ٢١ فصلت، فالمعلوم يقينًا أنَّ ليس لشيء ينطق في الوجود إلَّا إذا كان له لسان وشفتين وعقل أو على الأقل ذاكرة تخزن المعاني وتعبر عن نفسها من خلال الحروف أو الكلمات كما هو في نطق القرأن والكتب عمومًا (وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)٦٢ المؤمنون، فالكتاب عندما ينطق يحتاج إلى كاتب ناطق وقارئ ناطق وإلَّا سيبقى مجرد حروف تحتاج للترجمة الصوتية والمعرفية، لذلك قال الله تعالى في سورة الأنبياء آية 65 عن الأصنام والأوثان التي كانوا يعبدونها أنها لا تنطق (ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ).

فالمنطق هي طريقة التصرف ومفهوم التواصل بين الطير وفئته وهو منطق رمزي صوري يعبر عنه بالحركات والسكنات والسلوكيات التي يعبر عنها الطير عن حاجاته أو إرادته، كذلك يفعل هذا الأمر الكثير ممن يهتم بسلوكيات الحيوان ومنهم علماء النفس المتخصصين بدراسة سلوك الحيوان النفسي كجزء من منطقه، الهدف من هذا الفضل ليس ترفًا لهم ولا تكريمًا بلا سبب ولكنْ طريقًا للتسخير الذي ارتبط في جزء منه لتوصيل الرسالة للإنسان (وَحُشِرَ لِسُلَيۡمَٰنَ جُنُودُهُۥ مِنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِ وَٱلطَّيۡرِ فَهُمۡ يُوزَعُونَ) 17، أي أنهم مأمورون في ذلك كما حصل مع الهدهد في القصة المشهورة.

وأخيرًا نأتي إلى آية مميزة في أسرارها الكونية وما تحمل من عظيم قدرة الله، وهي آية الخبء التي خلط أيضًا فيها المفسرون بين الإخفاء مرة ومع الغيب مرة أخرى فالنص يحدد بوضوح أنه شيء آخر غير ذلك عندما فرق في نفس الآية بينه وبين المخفي عند الناس (أَلَّاۤ يَسۡجُدُواْۤ لِلَّهِ ٱلَّذِي يُخۡرِجُ ٱلۡخَبۡءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَيَعۡلَمُ مَا تُخۡفُونَ وَمَا تُعۡلِنُونَ) 25، فالخب في الأرض ذكره الله في سورة الزلزلة (إِذَا زُلۡزِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ زِلۡزَالَهَا (1) وَأَخۡرَجَتِ ٱلۡأَرۡضُ أَثۡقَالَهَا (2) وَقَالَ ٱلۡإِنسَٰنُ مَا لَهَا (3) يَوۡمَئِذٖ تُحَدِّثُ أَخۡبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوۡحَىٰ لَهَا (5)، بوحي من رب الأرض تخرج الأرض ما خبأه الله من أسرار أو مكونات لا يدركها الإنسان لا ماهية ولا صورة ولكنه يعلم أنها موجودة فقط إخبارًا من الله، فهي جزء من الغيب وجزء مما لا يعلمه الإنسان فجهله حتى موعد خروجها بإذن الله.

أما عن خبء السموات فهو المحير في السورة وإنْ كان ذلك بالتأكيد موجود في الكتاب الذي لا ينسى ولا يخفى فيه شيء، حدود معرفة الإنسان بالسماوات مبني على المشاهدة الحسية والإدراك العلمي أو أخبرنا الله به على وجه الخصوص، وهي تشمل الكواكب والنجوم وحركة الأفلاك وقوانينها الفيزيائية، وأيضًا تشمل مما ذكره الله عنها في القرأن بوجود الملائكة والروح والعرش وما إلى ذلك من صور ذهنية، هذه حدود ما نملك ويبقى غير ذلك في علم الله (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) الإسراء 85، فما زال الإنسان يتعلم ويتفاعل مع العلم ليدرك ما هو متاح وحتى بعض المحال أمكنه أن يقتحمه ومنها ما في خبء السموات.

إذن يمكننا أنْ نقول من جملة ما في خبء السموات ما ورد في مضمون حكم النص التالي (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) الذاريات 47، فالذي توسع لا نعلم حدوده بقدر ما لا نعلم حدود ما كان قبل التوسع، أي أنَّ بالغ معرفتنا هو في حدود الموجود والممكن وهي عظيم لا يدرك بسهوله مع أنه قريب منا (إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ) الصافات 6، وما بعد السماء الدنيا فهو بحكم مدلول الآية (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ) الملك 4، للتعبير عن عجز الاختراق وأكتشاف ما لا تستطيع القدرة البصرية أنْ تدركه.

ويبقى خبء السموات موجودًا كما هو خبء الأرض حقيقة لا يمكن لها أنْ تظهر ولا تكتشف إلَّا في حالة الإيحاء لها من ربها وبأذنه، هذا النص يشير إلى جزء مهم من عالم الوجود نعلمه ذهنيًا ولا ندركه صوريًا لا بإحساس ولا بتقدير، مما ينسف فرضية أنَّ الوجود وماهيته وجوهره هو ما ندركه على وجه التحديد ما تحت الأرض وفوق السماء وما بينهما، فالمعلوم قليل والمخبأ كثير وما بينهما على الإنسان أنْ يواصل بحثه واكتشافه للوجود، فقد أذن الله لهم بذلك (أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ) ق 6.