الاسلام السياسي والثقافة


 

المقال


حمزة الكرعاوي
العراق

 

بعد المناظرة غير المباشرة بين فائق الشيخ علي وبين غالب الشابندر، ولجوء الأول إلى مقال الحسني لضرب الشابندر، تدخل سليم الحسني لصالح غالب الشابندر، على طريقة (أنصر أخاك ظالما أو مظلوما) ، حشر الحسني الثقافة والمثقفين في الموضوع، وهو سياسي لا علاقة له بالخطاب الفكري و الثقافي .

هناك مفارقة ومقارنة بين الإسلام كثقافة وفكر، وبين رواده في التأريخ الإسلامي، وبين (إسلاميي اليوم سنة وشيعة)، وهي مؤلمة عندما يستحضرها القارئ العربي وغير العربي.

من نقل لنا ثقافتنا العربية، وأرخ لها، وقدمها بصورة مذهلة، هو العقل الديني الإسلامي، الذي يعتز باللغة العربية، ويحرص على ادبها، شعرا ونثرا، ونحوا وصرفا وبلاغة، ومنهم الجاحظ في البيان والتبيين الذي يعد من أهم ركائز الثقافة العربية الأربعة، وجميع من كتب وقدم الفكر العربي هم من المدارس الدينية، التي تعتبر اللغة العربية والشعر العربي ماقبل الاسلام هوية للامة العربية والإسلامية، وذهب الإمام عبد القاهر الجرجاني إلى أن من لايفهم الشعر الجاهلي مع مافيه من غزل لا يستطيع فهم الرسالة الإسلامية التي نزلت في تلك البيئة اللغوية الادبية الرائعة، ومن مؤلفات الجرجاني أسرار البلاغة، ودلائل إعجاز القرآن الكريم، ومن يطلع على المؤلف الأخير، يجد أن الآيات القرآنية أقل الشواهد ورودا فيه، مع أن عنوانه (دلائل إعجاز القرآن(..

مدارس فكرية وثقافية ولدت على أرض العراق، منها مدرسة الفراهيدي في البصرة، ومدرسة الكسائي في الكوفة، فضلا عن مدارس المعتزلة وإخوان الصفا، كلها كانت تعتز باللغة العربية والأدب العربي، وما وصلنا وأصبح مصادر تدرس في المعاهد والكليات هو نتاج العقل الإسلامي العربي، على العكس من (إسلاميي اليوم) سواء كانوا رجال دين أو تيارات حزبية، ينظرون إلى اللغة العربية على أنها وسيلة لفهم النصوص الدينية ليس الا، أما الشعر والأدب فهما عندهم عمل من رجس الشيطان .

كانت المدارس الفكرية وحتى زمن قريب من القرن الماضي، تحرص على أن يتعلم عناصرها اللغة العربية والأدب، وعلم القراءات والتجويد، لكن الأحزاب السياسية الدينية، ومرجعيات دينية عند الفريقين، تقف من هذا الجانب موقفا سلبيا، ولا نجد عند الاسلام السياسي من يستطيع أن يقرأ سورة من القرآن الكريم حسب القواعد، يجهلون حتى قاعدة يرملون والاقلاب والوقف، فضلا عن جهلهم في العقيدة والفقه والتاريخ والسياسة .

هناك فرق بين رجال ذلك الزمان الذين حرصوا على الهوية العربية للأمة، وفهموا أن العقيدة مرتبطة بمكان وهو الوطن، وبين رجال هذا الزمان، الذين ينظرون إلى الثقافة والهوية الوطنية على أنها من عمل الشيطان والخمارين، والعقيدة لا ترتبط بمكان، فيقولون للوطن (طز)، جغرافيتهم خارج جغرافيا الدولة الوطنية

عندما يوصف شخص ما، بأنه مفكر رصين، وهو يتبع رجل دين، ويذوب فيه، ويكتب المقالات للتغزل بشخصه، ويبرر صومه عن الكلام، وأن هناك سر عظيم في سكوته ووجوده، فهل نحن أمام معايير ونظريات جديدة، لتعريف المثثف الرصين، ام أن الزمان زمانهم، والمفكر الرصين يتماشى مع معاييرهم، وتقدم للمجتمع الذي إشتغلوا الف سنة، على تجهيله، حتى لا يمييز بين الفكر والمفكر وبين مقاساتهم للمفكر الذي يغيب عقله ويضعه في ثلاجة رجل دين ؟.

نعم أقول أن الساحة العراقية افرغت من مثقفيها لصالح تربية الحسينيات، ولصالح عملية تفريس العراق وتدميره، حتى يكون في بلد الحضارات، بلد الفراهيدي وسيبويه والجاحظ والاصمعي، أكثر من عشرين مليون امي، فضلا عن الأمية الثقافية

كيف يكون شكل المثقف المفكر الرصين، اذا كان نموذجه غالب الشابندر، الذي يتمسك بالسيستاني الذي لا نتاج فكري له؟.

أظن أن المفكر الرصين الذي يريده د سليم الحسني، لا يختلف عن اعلمية المرجع الأعلى للشيعة في العراق، الذي لم نشهد المقارنة والمفاضلة بينه وبين من تفوق عليه، حتى أصبح الاعلم، وحينئذ نشكر إبن هشام الأنصاري الذي عرف لنا إسم التفضيل بأنه: إثنان إشتراكا في صفة واحدة وزاد أحدهما على الآخر، ونتساوى مع كرادلة الفاتيكان في اختيار الاعلم.

انا كمتلقي وقارئ عراقي، أنظر إلى مفكرية غالب الشابندر، مثلما أنظر لأعلمية السيستاني السالبة بإنتفاء موضوعها، وكذلك أنظر إلى ثقافة د سليم الحسني على أنها لا علاقة لها بهويتي ولغتي العربية، لأنه ينطق بلسان فارسي مبين، ومن الطبيعي أني لا افهمه وغالب الشابندر، وهما لا يفهماني، بسبب اختلاف اللغة والالسن، فنحن عرب، وهم فرس، حملوا على ظهورهم مشروع تهشيم الهوية الوطنية العراقية، والدليل هو غياب الدولة العراقية، وتغييب اللغة العربية في المكان التي ولدت فيه، وأصدق الأدلة هو الرصاص الحي الذي يهشم رؤوس من قالوا نريد وطن.

أترك مداخلة

Message

شكرا لمداخلتك،
سوف يتم نشرها أسفل مقال الكاتب