الرقابة الفكرية


عبد الأمير آل حاوي
العراق


 

واحات

مجلة الكاتب

أيام زمان ..حيث البساطة الخالية من التعقيدات التقنية التي غزت المجتمع الى أصغر حيز بل مسامة فيه ايام الفطرة السليمة والنيات الحسنة ولغاية سنوات ليست ببعيدة عن ذاكرة المجتمع والناس كانت هناك ذائقة خاصة نظيفة شفافة للانتاج الفكري تمتاز بجمال الكلمة ورقتها ووضوح الفكرة وسمو اهداف الموضوع المطروح للقراءة أو المشاهدة أو الاستماع وهذا ما يعد من معايير التطور الثقافي والاجتماعي التي يقاس بها المستوى الحضاري لاي مجتمع يتقبلها ويتفاعل معها حتى وان كانت محاولات ونتاجات فردية أو محدودة تنبع من واقع متردي فقير أو مزدهر على حدٍ سواء ..والدليل على ذلك أرتقاء الانتاج الادبي والفني وعلى كافة الاصعدة والميادين في العراق حتى بات مناراً يهتدي به ويحذو حذوه مبدعي وفناني الدول المجاورة . الكتابة والنشر ،الاذاعة والتلفزيون ،السينما والمسرح كلها ادوات تعبيرية للوجدان والضمير والمشاعر الانسانية والعواطف والحماس والوطنية.

وقد يعتقد الكثير تماشياً مع موجة الديموقراطية الزائفة التي تجتاح بلدان العالم (بفعل فاعل) أن الرقابة والسيطرة على هذه الانشطة يعد تعسفاً وظلماً وأنتهاكاً للحقوق والحريات التي عادةً ما تمتاز بها الأنظمة الشمولية الدكتاتورية التي تضييق على حرية الراي والمعتقد والتعبير عن الافكار خصوصاً تلك التي تقض مضاجع السلطة وتطير النوم من أعينها والتي تعمل على اثارة الرأي العام وتأجيج الشارع ضدها ... ولو تماشينا مع مثل هذه الطروحات والأراء يكون السؤال المهم هل البديل الانفلات التام والهبوط الفكري وتدني المستوى الى حد الابتذال ولجوء الدخلاء على الثقافة والابداع والكثير من كتاب وأدباء وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة الى لغة سوقية مليئة بالاخطاء الاملائية واللغوية ناهيك عن سطحية وتفاهة ما يطرح الامرالذي لا يمكن القبول به باي حال من الأحوال وبالمقابل هناك بالتأكيد من يلقي الضوء وينيرالزوايا المعتمة ويعبر عن الخلجات والدواخل الانسانية والقيم والتقاليد الاجتماعية ويقارع الظلم والاضطهاد بشكل راقي ورائع ورفيع المستوى ،صحيح ان حرية التعبير وأبداء الرأي مكفولة دستورياً ليس على صعيد العراق فحسب بل عالمياً وفق الاعلان العالمي للحقوق والمواثيق الدولية لكن هل يعني ذلك عدم أخضاع الأنتاج الفكري وحرية الرأي والتعبير الى أي ضوابط أو قيود ينص عليها قانون ينظم لهذا الشأن ووفق ألية معتمدة لتكون هذه الضوابط بمثابة محددات تعمل على فرز الغث عن السمين وتصفية السموم الفكرية الهدامة للقيم والاخلاق أو التعرض والعبث بحريات الاخرين بشكل سافر تحت عنوان حرية التعبير وخدش الحياء كما هو حال الاغاني والافلام وبعض المطبوعات المنتشرة الآن ، أذن الحل يكمن بفهم المعادلة المهمة التي تنص على (كل حق ممنوح يقابله واجب مفروض) وحرية التعبير احد هذه الحقوق التي يترتب عليها مسؤلية تعادلها وبناءاً على هذه القاعدة لابد من الموازنة التي تبدأ من الذات الشخصية لتشكل بمجموعها الضمير الاجتماعي أو الرقابة العامة وخير مصداق على هذا الآية الكريمة (وكفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) لاحظ الدقة (نفسك) أولاً وليس شئ أخر وهذا المعيار لا يختلف عليه حتى العلمانيون الذين قد يزعجهم الرجوع الى نصوص القرأن.

أن المنابر الاعلامية الكبرى وخلال العقدين أو الثلاثة المنصرمة سيطرة عليها مؤسسات ضخمة وكبيرة تدار باموال طائلة يقف ورائها أشخاص وعوائل من أمراء المال المرتبطين بمنظمات وجمعيات مشبوهه كل همها تدمير الانسان للسيطرة على العالم ونهب خيراته والتحكم بحركة كل شيء وفق أرادة هذه المؤسسات...هنا تبرز أهمية الرقابة الفكرية على ما تنتجه مثل هذه المؤسسات التي تقلب الحقائق وتشوه الواقع وتعمل على تضليل الناس وغسل أدمغتهم وتوجيههم لا شعورياً نحو أهداف محددة وحصر أهتماماتهم بكل ما هو غرائزي رخيص . ولعل المستوى العالي من الاداء الشيطاني والجهنمي وفق اسس علمية نفسية تتلاعب وتوهم وتضلل عقول الجماهير بالمقابل جدب الساحة الثقافية للاقلام الواعية والمتصدية لمثل هذه اللعبة من جهة وغياب الرقابة من جهة ثانية تعد مشكلة لابد من الوقوف عليها طويلاً.

أترك مداخلة

Message

شكرا لمداخلتك، سوف يتم نشرها أسفل مقال الكاتب