فلسطين ... قضية الاشغال الشاقة
|
يمكن تفسير الاشغال الشاقة على انها اجبار المحكوم بها على القيام بأعمال
يدوية تعتمد على الجهد الجسدي فقط وتتميز بانها مواصلة تكرار نفس العمل دون نتيجة
كان تقضي زمنا طويلا قد يمتد الى سنوات وانت تقوم بحفر نفس الحفرة واعادة ردمها او
ان تقوم بنقل الحجارة من مكانها الى مكان ثم اعادتها الى ما كانت عليه وهكذا وهي
تشبه الى حد بعيد ما تقوم به ثيران الساقية من دوران طوال الوقت حول البئر دون ان
تدري لماذا تفعل ذلك ولا لصالح من.
المحكوم بالأشغال الشاقة لا يجد أي معنى لعمله فهو لا يمنح حتى فرصة ان يشعر
بالسعادة اللحظية ان تمكن من انجاز عمل ما كان يقوم بعمل سور مثلا او حفر قناة
للمياه لسقي الحقول او اعمال بناء يرى بعدها اهمية ما قام به بل على العكس من ذلك
فان ما يقصد بالأشغال الشاقة هو تحطيم ارادة وانسانية من يقوم بها وافراغه نفسيا
وروحيا من أي رغبة او احساس بمعنى واهمية مواصلة الحياة.
باختصار فان فلسفة الاشغال الشاقة هي الوصول بمن يقوم بها الى حالة ما من الاحباط
وعدم الاحساس بجدوى أي شيء حتى الحياة نفسها وبالتالي فان الفعل الذي لا يتطور ولا
تجري عليه اية تطويرات او تحسينات في الاداء بهدف تحسين النتائج ويتواصل القيام به
سيصنف تلقائيا على انه نمط ما من الاشغال الشاقة التي لا جدوى ولا هدف لها وهو ما
فعلناه ولا زلنا في علاقتنا بقضيتنا الوطنية الفلسطينية. وأيا كان ما سبق الا ان
مواصلة الاعتقاد والعمل على ان التفاوض هو الحل الوحيد سوف يصل بنا بالنتيجة مع
تكرار الفشل الى ان الحياة احباط وليست مفاوضات فنحن نصل دائما الى نفس النتيجة
بنفس الاداة دون ان نتردد بمواصلة تكرار الفعل نفسه مرات ومرات مترافقا مع الاعلان
عن الرغبة بنتائج مختلفة وهو اما ان يندرج تحت بند الغباء او الغياب الكلي عن حياة
الفعل والتأثير والتغيير الضروري للوصول الى الضرورة التي نحتاج.
لقد واصلنا دائما اختلافنا وخلافاتنا حول طريق تحرير فلسطين نظريا الا اننا كنا
نتفق في معظم الاحيان على ما ننفذ ... فلقد اختلفنا سابقا فيما اذا كان الكفاح
المسلح هو الوسيلة الوحيد لتحرير فلسطين ام انه واحدا من وسائل التحرير او انه لا
داعي له ... وواصلنا تنفيذ الكفاح المسلح او رفضه كليا الى ان تخلى عنه من نادى به
وذهب اليه من رفضه ووصلنا الى حكاية الحياة مفاوضات ومنذ ثلاث عقود تقريبا ووسيلة
المفاوضات تقودنا من فشل الى فشل ومن هزيمة الى هزيمة.
بإصرار نواصل القول ان لا تراجع عن وسيلة المفاوضات دون ان يكون هناك مفاوضات وعلى
هذا الطريق يتفاوض الاعداء عنا بدون حضورنا فيدور النقاش والتفاوض بين أمريكا
وإسرائيل عن حدود القدس او عن مساحة وحدود الاراضي المنوي ضمها في الاغوار، فيما
نقف نحن على البعد نندد ونرفض فيما يترافق رفضنا مع اعلاننا المتوال وتأكيدنا اللا-
ضرورة له عن التزامنا الثابت بطريق المفاوضات كوسيلة لا بديل عنها للتعاطي مع
قضيتنا الوطنية بلا كلل او ملل الى ان وصل الحال بشعبنا حد اليأس من أية نتائج
مرجوة تخص قضيتنا الوطنية وبات الاعتقاد بالهزيمة المتواصلة والفشل المتواصل تشبه
النتائج المرجوة من تكرار الأشغال الشاقة نموذجا بلا هدف سوى العمل نفسه، والذي
يمنح العدو النتائج التي يريدها ولا يمنح شيئا للمنفذ سوى الفشل وانعدام الامل
والاحباط الذي يؤدي في كثير من الاحيان بأصحابه حد التفكير بالانتحار او حد تنفيذه
بشكل أو بآخر في الحالات الاكثر سوءا.
إسرائيل الدولة الكذبة أو الدولة المزعومة أو دولة اللا- شعب واللا- وطن أو دولة
اللصوص والمرتزقة، اصبحت دولة حقيقية باعترافنا ورضانا وأصبح اسوأ اسم نستخدمه في
نعتها "الطرف الآخر" وهو ما يشبه لغة ومعنى "الرأي الآخر". وعادة ما ننادي باحترام
الآخر في فلسفة السياسة والفكر والحياة فالآخر بمعناه المجرد ضروري للأنا لتصبح
حقيقة وفي حالتنا صار الآخر بديلا للأنا ونسكت بإرادتنا ونطالبه بالتنازل عن أناه
لصالحنا دون ان نملك ما يجبره على ذلك، فانتظار المحكوم بالأشغال الشاقة للعفو من
سيده أو حاكمه هو انتظار وهم قد لا يأتي اأو أنه حين يأتي فلن يكون له معنى بعد أن
يكون اليأس والاحباط قد استشرى وصار العفو لا معنى له أبدا، فالتعود على الشيء
يتحول إلى ألفة مع الزمن ويصبح مطلبا كبديل للفراغ المفترض في غياب الحال القائم.
فالذين يتحدثون عن التمسك بالمفاوضات يدركون أن لا بديل لديهم بإرادتهم فلم يعد
بوسعهم صياغة البديل أو الاتيان به لأنه أبدا لا يتناسب وقدراتهم ورغباتهم وهم
حريصون على مواصلة الامساك بالعصا خشية أن تنقلب عليهم إن هم أفلتوها من أيديهم
وسطوتهم وسيطرتهم.
قرن بكامله ولم نتعلم أبدا تفادي الوقوع بالخطأ وتكراره مرات ومرات، فلقد اتفق
البشر على أن تكرار نفس الاسلوب والطريقة للحصول على نتائج مختلفة هي جريمة تنطبق
على أن من يواصل فعل ذلك لن يصل إلا إلى الهاوية، وها نحن نواصل طوال قرن استخدام
نفس الاساليب والترويج لها بأن بإمكاننا الحصول على نتائج مختلفة، فما جاءت به
أوسلو ليس وطنا ولن يكون، وما فعلناه من أشغال شاقة بعد ذلك أدى إلى تقليص رقعة ما
يسمى بالوطن رويدا رويدا، ونحن ننادي بمفاوضات لم تكن أصلا ولن تكون، فالتفاوض لا
يمكن له أن ينجح ابدا بين من يملك كل القوة وكل الخيارات ومن يحشر نفسه بخيار ضعيف
لا قوة تسنده من أي نوع كان، بل أننا نتقن التخلي عن أدوات قوتنا ومن أهمها وحدتنا
التي تنازلنا عنها طواعية لصالح أعداءنا ...
إننا نزاول فعل الاشغال الشاقة بإرادتنا كإعلان عن عجزنا عن صناعة البدائل لمواصلة
الكفاح لنيل حقوقنا وانتزاعها علنا من بين أنياب الغزاة فكما اعتبرنا لندن مربط
لخيولنا آملين منها ان تمنحنا حقنا، عاودنا فعل ذلك مع واشنطن وأحيانا مع موسكو
وغيرها، لكننا أبدا لم نحاول فعل ذلك مع أنفسنا.